أول شيء شكك فيه الناس، قوله أنه سيقف مسافة واحدة من كل الأحزاب والقوي السياسية، واعتبر البعض أن ذلك تراجعاً عما قال به رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول مهندس صلاح عبدالله (قوش) وكان الفريق صلاح قد ذكر في لقائه مع الصحفيين عصر جمعة الثورة، وقبل لقاء الرئيس مع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، قال إن الرئيس سوف يتخلى عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني، فلما جاء الرئيس لاجتماع الفعاليات، لم يقل الحديث بهذه القوة والوضوح الذي قال به الفريق صلاح قوش، ولذلك ساورت البعض الشكوك، وأذكر أني ذكرت في مقال قبل أيام نشر في هذه المساحة، أن الرئيس لم يتراجع عن قراره، ولكنه استجاب لتحفظات المكتب القيادي، وكان المكتب القيادي قد أشار إلى أن تخلي الرئيس عن المؤتمر الوطني الذي ترشح باسمه سوف يصطدم مع الدستور، ولذلك قسم الرئيس الخطوة إلى مراحل، ومهد لذلك بحديث المسافات المتساوية مع الجميع، ثم كانت الخطوة التالية باختيار نائب رئيس بمواصفات خاصة، وتفويضه للقيام بصلاحيات الرئيس، ويسمى بعد ذلك الرئيس المكلف، وتنقطع صلة رئيس الجمهورية تماماً بالحزب، وهذا كله قد حدث، ومولانا أحمد محمد هارون الذي تم اختياره لهذه المهمة، يعتبر الأنسب إليها من بين عضوية المؤتمر الوطني جميعاً، ولقد كتب يوم أمس الأخ حاج ماجد سوار مقالاً حاول فيه الإجابة علي السؤال لماذا تم اختيار أحمد هارون لقيادة المؤتمر الوطني في هذه المرحلة، ومما ذكره سوار من أسباب ديناميكية أحمد هارون، ومقدرته العالية على الفعل، وقدرته على العمل في الظروف الحرجة، وتحمل المسؤولية، ومقدراته التفاوضية العالية، ولقد أشرت في مقال سابق بعنوان (فيصل أدي المهمة كما يجب.. وهارون رجل المرحلة) أشرت إلى بعض ما ذكر الأخ سوار، والى تجربته السياسية في جنوب وشمال كردفان، ودائماً ما يركز الناس على نجاحات أحمد هارون التنفيذية، ويتناسون نجاحاته السياسية، وفي تقديري أن نجاحات هارون السياسية أكبر من التنظيمية، وفي اختياره رئيساً مكلفاً للمؤتمر الوطني تطمين للقوى السياسية الأخرى، وتأكيد على جدية الحكومة في التواصل مع الآخرين، والتوصل معهم إلى تفاهمات، وكثيراً ما كان يذكره قادة الحركة الشعبية، وغيرهم من المعارضين الذين تعاملوا معه بالخير.
ومن الإشارات المهمة تلك الأقوال المسؤولة التي ذكرها رئيس جهاز الأمن الوطني والمخابرات الفريق أول مهندس صلاح قوش، فلقد أكد صلاح أمام منسوبي وقادة الجهاز، قومية ومهنية رجل الأمن وجهازهم، وحرصهم على حفظ أمن البلد والناس دون شطط أو تعد، أو تجاوز للحدود، وصلاح رجل جاد، وواضح وصريح، ويعني ما يقول، ولا يقول شيئا ويعني غيره، لذلك استحسن الناس حديثه الأخير.
التطبيق المحدود لأوامر الطوارئ أيضا كان في تطمين، وأشار بدرجة كبيرة لما قالت به الحكومة، وقال به آخرون أن حالة الطوارئ فرضت في الأساس لمكافحة الفساد والمفسدين، ولم يكن الهدف الرئيس منها قمع المتظاهرين، وعلامة ذلك تفاوت الأحكام بين حالات التظاهر، وحالات تهريب العملات الأجنبية مثلاً ، فبينما كان أقسى حكم على متظاهر السجن لمدة شهر، بلغت عقوبة من ضبط يهرب عملات أجنبية سنتين، مع مصادرة الأموال التي وجدت بحوزته، ويتوقع أن تتصاعد عقوبات المفسدين والمخربين للاقتصاد الوطني حتى تبلغ أقصاها عشر سنوات، وقد تنحسر عقوبات التظاهر، والاحتجاج مع انحسار موجات التظاهر، وقد تنتهي تماماً وتتلاشى. وعلى كل فإن السودان والسودانيين موعودون بتحولات جذرية في المسألة السياسة، ونتمنى أن تحقق تلك التحولات ثورة الإصلاح المنشودة.