وبذلك وجدوا مناسبة مبهجة تخفف عنهم رتابة الحياة وبطء حركتها وجفافها من المناسبات، فنادت (أم الحسن )في النسوة (هوي يا نسوان ماتنسو ملي البطن للبنية، الكبدة شيلن منها حته للكباب والمرارة والباقي قلبوهو في الشواية مع حبة لحمة لينة لحقوها عشان تشد حيلا وترضع الوليد )
عندئذ نادتها العاجبة بنت الحاج :( الوليد حتسموهو منو يا أم الحسن! !؟
أم الحسن :( واللـه الرأي عند أبوهو وجدو نحن النسوان ما عندنا شغلة في اسم الولد )..في تلك اللحظة ظهر الطيب زوج فاطمة وكانت أذنه قد التقطت حديثهن فبادرهن قائلا :( شن بنسميهو غير عبدالرحمن وإن شاء اللـه يطلع عابد لله ذي اسمو )والحاضر يكلم الغايب السماية حتكون في السبوع الكل معزوم قبلي، بحري، و سافل وصعيد، حباب الكل وبهايمي الفي الزريبة ديل كلهن كرامة لحلل فاطمة وقدوم عبد الرحمن )
فأعجبت نخوته وكرمه النسوة فزغردن بصوت رخيم أطرب الطيب فسار متعثراً مترنحاً كأنما هناك ما يعترض طريقه رغم رحابة واستواء الأرض تحت قدميه وهزا بعصاه جزلا أثناء مروره بين مواقد النساء حتى تدلت العمامة من رأسه فأسرع بإعادتها إلى موضعها وهو يتجه مبتهجاً نحو صالون الرجال كأنه يقفز فوق الموج وما قاله بين النسوة كرره في صالونه وفي حوش الرجال.
لم تكتف أم الحسن بذلك بل قامت بإعادة الدعوة عبر المرسال (وكلفت بذلك زينب عثمان) وكانت مشهورة بالنشاط والحيوية والخفة)لكل فرد حارة حارة ولفة لفة بلا استثناء وكم كانت تتمنى لو كان محمود جد فاطمة لأبيها حي يرزق في هذا اليوم الذي طالما تمناه إلى أن أخذته المنية.
فقد كانت فرحتهم عظيمة بأبنتهم التي أنجبت غلاماً بعد انتظار دام سبعة عشر عاماً وكان الخير كثيراً وكل شيء متوفر.
أما ذلك اليوم الخميس الموافق السابع عشر من مايو للعام الف وتسعمائة وأربعين فقد كان يوم لا ينسى لأهل تلك القرية الوادعة( ناوا )فبعد صلاة الفجر في ذلك المسجد المتواضع في الحي لم يرجع رجل لمنزله لشرب شاي الصباح ولم تنتظر امرأة لتصنعه، فقد صار الجميع داخل حوش المناسبة المترامي الأطراف والذي اشتهر أصحابه بالغنى ورغد العيش والكرم -على حد سواء-.
بينما يتحلق الصبية كل إعمار متقاربة في زاوية أو ركن وقد فاحت رائحة (القنانة )و (القرقوش ) والبسكويت المنزلي وكثرت سراميس الشاي بحليب الغنم مع الكم الهائل من الكبابي المكدسة على الصواني جيئة وذهاباً على أيدي الشباب وكان الكل فرحاً جذلا وكأن المولود له.