مقالات:الرئاسة والصحافة .. ضرب خارج التختة
سألني كثيرون ممن شاهدوني في اجتماع السيد رئيس الجمهورية مع قيادات الصحافة والإعلام ولم يسمعوني أتحدث لماذا لم أتكلم، فقلت لهم لم أجد فرصة مثل كثيرين غيري من الزملاء الذين كانت لهم رغبة في الحديث ولم يجدوها وهذا أمر طبيعي، فالزمن المتاح لم يكن يسمح بحديث أكثر من 5% من الحضور، فصار كثيرون من هؤلاء المستفسرين يسألونني عن رأيي في ما قيل، وكنت أقول ما تيسر، ولما كثرت الأسئلة والإستفسارات وجدت الأفضل أن أكتب ما يسألون عنه، رغم أنه لا ينسجم مع المنهج الذي ألتزمه في الكتابة، فلم أعود نفسي نقد وانتقاد ما يكتبه، ويقوله الزملاء إلا عندما لا يكون هناك خيار غير ذلك، وهذا ما ينطبق على هذه الحالة.
أقول صراحة أني لم أجد نفسي في كثير مما قاله الزملاء، إلا في جزئية في حديث أحد الزملاء ناشد السيد رئيس الجمهورية قيادة مبادرة حل الأزمة السودانية الراهنة، فيكون هدفه التغيير، ولا يضع نفسه هدفاً للتغيير، وفي هذه اتفقت مع الأخ الجبوري في ما قاله تقييماً لاجتماع الرئاسة والصحافة، فأكثر الذين تحدثوا صوبوا حديثهم في مطالب محدودة ومحددة، مثل الضرائب والجمارك، والحريات الصحفية، والمعتقلين من الصحفيين في الأحداث الأخيرة، ولقد أصاب هذا الحديث المصوب كلياً للصحفيين والإعلاميين، ومؤسساتهم أصاب مواطنين كثر بإحباط شديد، فكان الناس يتوقعون أن يستثمر الصحفيون الفرصة التي أتاحها لهم السيد رئيس الجمهورية في جو أسري هادي لمناقشة قضايا البلد، وتلك كانت فرصة للصحفيين والإعلاميين لتوصيل صوتهم للسيد رئيس الجمهورية، لا سيما في حالة الكساد التي تصيب الصحافة الورقية، والحالات التي تصيب الفضائيات السودانية وتعقيداتها.
فالمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين من الصحفيين، كان الناس يرجونه أن يشمل المطالبة بإطلاق سراح كل المعتقلين باعتبار أن الصحافة هي لسان الشعب، وينبغي أن تتبنى قضاياهم، وحتى هذه عندي محل نظر، فالمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين بهذا الطريقة يعتبر مختزلاً ، ولننزل ذلك على ما جري، فطلب الصحافيون من الرئيس إطلاق سراح المعتقلين من الصحفيين، فاستجاب الرئيس لطلبهم ووجه بإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين، ولكن هذا لا يعني بالطبع عدم اعتقال صحفيين مرة أخرى إذا وقفوا ذات الموقف الذي أعتقلوا بسببه، وهو أيضاً لم يتحدث عن الأسباب التي تم بموجبها الإعتقال، وكان المخرج من ذلك أن يتم توافق كامل، يلتزم به الطرفان على منهج في الرفض والتعبير، يحقق به المتظاهرون غاياتهم، وتقبله الجهات الحكومية. ولذلك أتوقع إذا استمر الحال علي ما هو عليه، أن يعاد اعتقال الصحفيين الذين أطلق سراحهم في وقت قريب، هذا إن لم يكونوا قد أعتقلوا مرة أخرى.
وحتى المطالب الخاصة بهموم الصحف والناشرين، أعتقد أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون له أثر إيجابي واضح هو إلغاء الضرائب والجمارك، وحتى هذا لم يتم تحديده بصورة واضحة، وهذا يتطلب تحرك سريع من الاتحاد العام للصحفيين السودانيين، لتعريف وتحديد الجمارك والضرائب التي تم التوجيه بالغائها. ولابد أن نعترف أن السيد رئيس الجمهورية كان قد أعد نفسه للقاء أكثر من الصحفيين، ويبدو أنه طلب هذا اللقاء لتوصيل رسائل محددة، وقد نجح في ذلك، منها دعوته لإعادة توزيع المهام بين اختصاصات المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية، وبين الاتحاد العام للصحفيين السودانيين، ويسبق ذلك اعادة تشكيل المجلس نفسه، ومعلوم أن هناك نزاع كان قد نشب بين الاتحاد والمجلس، وهذه تحتاج إلى فك ارتباط، ومنها ما قدمه السيد الرئيس من انتقادات للنظام المصرفي في السودان، وتحديداً في صيغ التمويل، وكذلك انتقاده لقانون النظام العام، وتطبيقه، ثم دعوة الرئيس لدمج المؤسسات الصحفية، ويبدو أنه يتأثر في ذلك بما طرحه حكوميون قبل ذلك، وهو طرح لا يتفق مع ثقافة أهل السودان، وهذا أمر نعود إليه في حديث منفصل في مقال قادم بإذن الله تعالى، وواحد من أسباب تكرار هذه المبادرة من السيد الرئيس رغم تحفظ الناشرين عليها، هو عدم تقديم الناشرين مبادرة واضحة في هذا الشأن.
وأتمنى أن يعد الصحفيون والاعلاميون، انفسهم لا سيما الاتحاد الذي يقودهم، إذا ما اتيحت لهم فرصة أخرى لمقابلة السيد رئيس الجمهورية حتى يستفيدوا من هذه الفرصة، ويقدموا رؤي متكاملة لحلحلة المشكلات والأزمات التي تواجه البلاد.