من يحتفي بالزين في يوم عرسه؟ وكيف لرباب أن تقف على شاطئ أمباب وتحس ببركة هذا اليوم؟ وأي طريق سوف تسلكه في موسم الهجرة إلى الشمال؟ وهل يمكن أن تثمر النخلة على الجدول بعد اليوم ونأخذ منها حفنة تمر تسد رمق شوقنا إلى فاتح دروب الرواية الراحل بجسده والمقيم في قلوبنا إلى الأبد؟ أيها المريود لقد اشتقنا كثيراً أن تعانق الوطن وأن يروي ظمأ شوقك ماء النيل العذب ويمازج دفء عينيك لهيب شمسنا المحرقة، لكن شاءت الأقدار أن تفيض روحك وتحلق خارج الوطن لأنك ظللت سفير الكلمة وخير ممثل لها وتأبى روحك إلا أن تواصل تلك الرسالة الخالدة .. في الذكرى العاشرة لرحيل الأديب العالمي الطيب صالح إلا نجد إلا بعض كلمات نسطرها وفاء له في هذه المساحة..
شخصيات رواياته!!
اعتاد الأديب الراحل الطيب صالح أن يستمد ويستلهم شخصيات رواياته من صور الناس الذين عرفهم وعاش معهم ويرسم تلك الشخصيات بفرشاة مبدع ويجعلها تنطق بالحياة، فهو يدفع بالشخصية الواقعية إلى أقصى مدى ممكن وهذا ما يطلق عليه النقاد (الرواية الفنية) ، الطيب صالح في كتاب (على الدرب... ملامح من سيرة ذاتية) عبر عن فلسفته في الكتابة الروائية بقوله (تجدني دائماً أقول إنني اعتمد على إنصاف الحقائق والأحداث التي يكون جزءاً منها صحيحاً والآخر مبهماً بمعنى تكفيني جملة سمعتها عرضاً في الشارع لاستوحي منها فكرة الكتابة ليس بالضرورة أن اؤجل سمع صاحب الجملة لاستمع إلى قصة كاملة، تكفي جملة واحدة اسمعها وأنا في الطريق فقد تثير في نفسي اصداء لا حدود لها) . الكثير من أهل الثقافة تحدثوا عن رحيل أيقونة الإبداع السوداني الطيب صالح وذاك الفراغ الكبير الذي خلفه .. الأستاذ كمال حمزة قال إن رحيل الطيب صالح كان حدثاً عريضاً فطالما اشجى بصوته المتفرد أو اسمع واضحك وابكي فهو كالمغنطيس يجذبك بقوة وتتلبسك حالته فتذوب معه في القول والخيال، وقد اتيح للطيب صالح الانفراد بحيز الزمان العربي، فقاد مركبه يلاطم به أمواج الاحتراف بثقافة جامعة في غير اكتراث بالغ من النقد مع سعة في الصدر إلى منتهاها ، وقصة حياة الطيب صالح والتي امتدت لثماني عقود كانت أشبه بشخوص الأبطال في رواياته من حيث التجربة الحيوية فأنت تراها في مصطفى سعيد وهو يتابع الزين أو يجلس إلى منسي، وقد تمتع الطيب صالح بجرأة في إبراز شخوص كانوا ضمن المسكوت عنه في الأدب السوداني على الرغم من وجودهم الفاعل في المجتمع .
جائزة باسمه!!
جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي والتي تنظمها الشركة السودانية للاتصالات زين والتي يشارك فيها المبدعون من كافة أنحاء الوطن العربي واحدة من نماذج تخليد ذكرى الفقيد، وحول هذا الموضوع تحدث الروائي الأستاذ إبراهيم إسحق وقال إن الطيب صالح مبدع بقامة وطن وهناك خطوات تم تنفيذها في جانب تخليد ذكراه ومن ضمنها ذاك الفيلم الذي تم إعداده سابقاً عن حياته إضافة للشارع الذي اطلق عليه اسمه والمركز الثقافي الذي انشئ له ونحن نرى أن الامتنان للطيب صالح وما قدمه من أعمال خالدة يجب ألا يتوقف ونريد أن نرى قاعات بالجامعات باسمه ونرى ترجمة لما لم يتم ترجمته من أعماله، واعتقد أن تحويل أعماله إلى أفلام كما يفعل المصريون والعرب المتقدمون هو تحدٍ للسينمائيين السودانيين وأن يتم طباعة الرسائل الأكاديمية التي أعدت عن أعماله حتى يدرك القراء الشباب المعاني والجماليات المضمنة في أعماله ويواصل الأستاذ إبراهيم حديثه قائلاً :( إننا نريد أن نحفز شبابنا والأجيال القادمة بمداومة القراءة في أعمال الطيب صالح وربط ما انجزه بتاريخنا الثقافي كما أنني أناشد الشباب الطامح للإبداع السردي أن يتوقفوا عن الكلام حول الديناصورية والسقف الذي صنعه الطيب صالح لأعماله فهو ليس قمة سامقة لا يمكن الصعود عليها وتجاوزها) .
الأستاذ الروائي والسفير السابق جمال محمد إبراهيم تحدث عن غربة المبدع وذلك في معرض القول إنه لولا وجود الطيب صالح خارج السودان لما نال الشهرة والانتشار اللذين حظي بهما وقال :( في تقديري السفر قيمة إضافية للمبدع والإقامة بعيداً عن الوطن هي إضافة مركبة، والإقامة الطويلة في المهاجر تعطي المبدع قوة ومقدرة على الإبداع واستعادة التجارب والذكريات تكون جلية عندما يكون بعيداً، لذلك كان الطيب صادقاً مع داخله في إقامته في لندن، وعلى الرغم من أنه افتقد الأهل والبلد لكنه استطاع أن يضع ذلك في قالب الابداع ، ويمكن القول أن الفائدة الحقيقية في السفر تضيف للإبداع إبداعاً.
مريود والإذاعة!!
شهدت الإذاعة السودانية فترة خصبة من حياة الراحل الطيب صالح، وتشهد له دهاليز الإذاعة والتي وثق من خلالها الشاعر الكبير محمد ود الرضي في حوار أجراه معه، وهنالك عدد من الأعمال الروائية تم تحويلها إلى دراما إذاعية وبثت من خلال الإذاعة السودانية مثل (موسم الهجرة إلى الشمال ودومة ود حامد) ، ولم تنقطع صلته بالميكروفون بل تعمقت في هيئة الإذاعة البريطانية. مازال الحزن عميقاً بعد رحيل الطيب صالح .. هذا ما ابتدرت به أنعام بشير صالح (ابنة أخ الفقيد) حديثها حول ذكرى رحيله وأضافت أن أغلى أمنية له كانت أن يزور السودان وفي آخر لقاء تلفزيوني له فاضت أعينه بالدمع وكنا نشاهد اللقاء ونحن نغالب لوعة الشوق والفراق وكنا نتمنى أن يسعد بعودته لحضن الوطن لكن الموت هدم تلك الأمنيات.