الثلاثاء، 12 فبراير 2019

مقالات:مبادرة الـ 25 ساقها واحد سليم


أتحدث عن مبادرة الـ 52 والتي قدم لرئاستها الدكتور الجزولي دفع الله، رئيس وزراء العهد الانتقالي ما بعد سقوط حكومة مايو، وقيام انتخابات عام 1986م، التي أفرزت حكومة ائتلافية بين حزبي الأمة القومي، والاتحادي الديمقراطي، وبعض الأحزاب الجنوبية، وتم تقسيم المنصبين الكبيرين بين الحزبين المؤتلفين، فتولي المرحوم السيد أحمد الميرغني منصب رئيس مجلس رأس الدولة، فيما تولي السيد الصادق المهدي رئاسة الوزارة. وهي المجموعة التي قدمت رؤية قالت عنها أنها المخرج للسودان من هذه الحالة التي يعيشها، ولم أشأ أن أصف مبادرة قدمت الدكتور الجزولي بأنها (عرجاء) لذلك قلت إن ساقها واحد سليم، وهذا على قياس (نصف الكوب مملوء) وما دعاني لوصفها بهذا الوصف أني لم أجد واحداً من رجالها ونسائها يحفظ للحكومة القائمة فضلاً واحداً، وأن كل المبادرة تتحدث عن المستقبل وكأن الحكومة قد انتهت تماماً وتلاشت، ولم يعد لها وجود، ولذلك تستحق أن توصف بأنها أحادية الرؤية، أو كما ذكرت في عنوان هذا المقال، إن ساقها واحد سليم. وهذه المبادرة تحمل كثيراً من عناصر فنائها في داخلها، وغير ما ذكرت من ساق واحد لا يستطيع أن يعينها على السير والتقدم، فإن كثيرين من أعضائها انسحبوا منها، ثم أن الدكتور الجزولي الذي اختير رئيساً لها ليس هو الرجل المناسب في هذه الحالة، والظروف التي أتت به رئيساً للوزراء في الفترة الإنتقالية تختلف تماماً عن ظروف حالتنا هذه، وللذين لا يمتلكون معطيات ومعلومات أحداث انتفاضة رجب أبريل 1985م، فإن الدكتور الجزولي لم يكن هو القائد الفعلي لنقابة الأطباء، ومعلوم أن الدكتور حسين سليمان أبو صالح كان هو صاحب الدور الأكبر بين الأطباء، وهو الذي قدم الدكتور الجزولي لرئاسة الوزارة، ثم أن الدور الحاسم في انتفاضة رجب أبريل كان للجيش ولم يكن للقوى الأخرى، ومعلوم أن الشارع الثائر لم يكن للقوى والأحزاب السياسية دور يذكر في الإنتفاضة، ويبدو أن الشباب الذين يقودون مظاهرات هذه الأيام قد وعوا دروس انتفاضة 1985م، ودليل ذلك عدم تحمسهم لفكرة تقديم السيد الصادق المهدي رمزاً وقائداً لهذه الإحتجاجات. وذات الشيء ينطبق على دكتور الجزولي وبدرجة أكبر.
ومما هو معلوم عن الدكتور الجزولي أنه لا يمتلك مقومات الزعامة، ولا  قائداً جماهيرياً، ويبدو أن تكوين شخصيته لم يعنه على القيادة، واذكر على أيام رئاسته للوزارة الانتقالية كان عندما يأتي ذكر الرئيس الأسبق الراحل المقيم المشير جعفر محمد نميري، يقول عنه (الرئيس المخلوع) فقال الرئيس نميري يرحمه الله ساخراً منه (عليكم الله اسه المخلوع أنا ولا هو؟) ثم أنه بعد الإنتفاضة استوعبته مؤسسات الحركة الإسلامية، وتحديداً الوكالة الإسلامية للاغاثة، ولقد فعل ذلك صاحب فكرتها ومؤسسها، المرحوم البروفيسور عبدالله سليمان العوض، وتلك كانت مبادرة شخصية من دكتور عبدالله فهو الذي رشحه رئيساً لمجلس الأمناء، وعلى عكس ما فعل المرحوم المشير سوار الذهب، الذي أعطى منظمة الدعوة الإسلامية دفعاً قوياً بعد أن ارتبط اسمه بها، وظل يعطي ويعطي إلى أن اختاره الله إلى جواره، ولم يصف دكتور الجزولي شيئاً للمنظمة. ولم يرض الناس من دكتور الجزولي عدم دفاعه عن الدكتور عبدالله سليمان أمام ما لاقاه بعد المفاضلة نتيجة انحيازه للمرحوم الشيخ الدكتور حسن الترابي، ومعلوم أن الدكتور أعلن موقفه الأول من باب (الرجالة) وأنه جاء بعد ذلك وارتضي قيادة مبادرة للعمل الطوعي تحت مظلة الحكومة، ويشهد على ذلك البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، والأخ العميد يوسف عبدالفتاح أطال الله عمره، فلقد تخلى دكتور الجزولي عن صديقه وزميله الذي رفعه في هذا الموقع، ولم يدافع عنه، ولم ينصفه، ولعل ذلك كان واحداً من الأسباب التي أصابت الدكتور عبدالله يرحمه الله بالإحباط. 
ومن عجز مبادرة الـ 52 في طرحها النظري أنها لم تضع في حسابها وجود هذه الحكومة، وحزبها المنتشر في كل مكان، ولا الأحزاب المتحالفة معها عبر مراحل تخلقها المختلفة، والأسوأ من ذلك أنها أغفلت تماماً وجود رئيس منتخب، له شعبيته وله جماهيره، وله مقدرة عالية على المبادرة. ولذلك نرى أن مبادرة الـ 52 حكمت علي نفسها بالفشل قبل أن تبدأ.