تقارير:بين بقاء الإنقاذ في الحكم ومطالب الإزاحة .. صورة في انتظار «فوتو شوب»
يبدو المشهد في السودان أكثر قتامة للناظر لحالته الراهنة ، وتبدو الأوضاع الاقتصادية غائصة في التردي تجانسا مع الضباب الكثيف الذي يغطي المشهد السياسي المرتبك في كل جوانبه ،فلا الحكومة عالجت الأمور لتهدأ الأوضاع ولا الغاضبين على سياسة الحكومة حسموا الجولة لصالح التغيير، فهى حالة »الأعراف » بين الجنة والنار يصطلى فيها القريبون من النار بلهيبها ويعيش البعيدون منها زمهرير الشتاء القارس، فما المخرج من هذه الحالة التى لايعرف أحد الى أين تنتهي ومتى وكيف ولصالح من؟
بات شاخصاً للعيان أن بطل قصة الحالة الراهنة فى البلاد والتى لم تنته فصولها بعد بإمتياز هي الأزمة الأقتصادية التي دفعت الشارع للإحتجاجات ضد الغلاء والمعارضة ضد نظام الحكم متكئة على حالة الغلاء والتأزم الأقتصادي ،لكن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يرى أن المواطنين المحتجين قد وصلت رسالتهم وطالبهم بأن يكفوا عن الاحتجاج ويفوتوا الفرصة على المعارضة .
وكان الدكتور نافع على نافع القيادي بحزب المؤتمر الوطني قد بعث برسالة للمحتجين بعد يوم من احتجاجات اندلعت بالخرطوم، قال إذا كان الغرض من الاحتجاجات والمظاهرات التعبير عن تدهور الأوضاع الاقتصادية، فإن المتظاهرين عبروا ورسالتهم وصلت و إذا كان الغرض التخريب وخدمة أجندة سياسية لمعارضة تفكر في إسقاط النظام، فالمواطن العادي لا دخل له في خدمة أجندة لمعارضة تفكر في الوصول للحكم بهذه الوسيلة .
رسالة نافع لم تجد أُذناً صاغية ولم توقف احتجاجات المواطنين، ولم تنه تحركات المعارضة باتجاه مطالبها ،فقد خرج مئات المواطنين فى شوارع الخرطوم ومدن أخرى ينددون بسياسات الحكومة بل ان بعضهم طالبها بالرحيل صراحة.
الاستعدادات الأمنية التي دفعت بها الحكومة الى ساحات الاحتجاجات لم تنه هي الأخرى الأزمة التي تحتقن في نفوس الذين واجهتهم السلطات الحكومية باستخدام القوة لفض تجمعاتهم رغم احاديث منسوبي الحكومة بأن الاحتجاج السلمي حق كفله القانون .
صحيح ان بعض حالات التخريب التى صاحبت التظاهرات السلمية كانت كافية لأن تصبح مسوغا للحكومة لتجريم المتظاهرين لكن سرعان ما نزع المحتجون إلى اطلاق هتافات تنادى بالسلم في الاحتجاجات حتى لا تؤذي التحركات الشعبية .
غازي ومبارك الفاضل
تبنت الجبهة الوطنية للتغييرالتي تضم22 حزبا بينهم حركة الإصلاح الآن بزعامة الدكتور غازي صلاح الدين العتباني فضلاً عن حزب الأُمة برئاسة مبارك الفاضل موقفاً يسند الاحتجاجات المطلبية للمواطنين بجانب الدفع بمذكرة تنادي بقيام نظام حكم جديد أثار حفيظة الحكومة بشكل جلي وجعل القوى السياسية المعارضة تنقسم في الرأي حول الموقف من غازي ومبارك ورفاقهم ففي الوقت الذي وصف فيه المؤتمر الوطني هذا الموقف بالإنتهازى سارع الحزب الشيوعى الي رفض ضم غازي ومبارك ورفاقهم الى صفوف المعارضة ،وموقف الحزب الشيوعى هذا جعل الصادق المهدى رئيس حزب الأُمة القومي يلهج بلسان آخر يؤيد فيه ضم غازي ومبارك ورفاقهم الى صفوف المعارضة ، واستشهد بقوله بأنهما يدعمان التيار الوطني المنادي بالسلام والديمقراطية ويطالبان بنظام حكم جديد،
وانتقد المهدي سعي بعض الجهات لإحتكار العمل المعارض والتشكيك في نوايا الآخرين في إشارة الى ما يبدو لموقف الحزب الشيوعي من (الجبهة الوطنية للتغيير) بزعامة غازي صلاح الدين التى كانت ضمن القوى المشاركة في الحوار الوطني، وأعلن كلٌ من غازي ومبارك الفاضل سحب ممثلو حزبيهما من المجالس التشريعية والحكومة، وطرحا عبر مذكرة للرئيس عمر البشير تشكيل مجلس سيادة وتكوين حكومة انتقالية لأربع سنوات بما يمهد لمعالجة الأزمة السياسية في البلاد.
وقال المهدي في خطابه تعليقا على ما طرحته الجبهة الوطنية للتغيير ورؤيتها في الحل بأن فيه مساهمة في دعم التيار الوطني الديمقراطي الهادف لإقامة نظام جديد يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل.
واعتبر المهدي بأن التشكيك في نوايا هذه المجموعة يخدم أجندة النظام، ويحول دون جذب الآخرين من داخل النظام للانضمام لموكب السلام والديمقراطية، وتابع المهدي (نحن نسعى لتنسيق كامل بين كل الذين تبينوا معالم المصلحة الوطنية و لا يحق لنا أو لغيرنا إقامة محاكم تفتيش وطني وإدعاء ذلك افتراء).
وكان الحزب الشيوعي قد أبدى امتعاضه من هذه المجموعة وتأكيد عدم قبولها وسط المعارضة بوصفها شريكة سابقة في كل تصرفات النظام الحاكم.
وقال السكرتير السياسي للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب في تصريحات نشرت يوم الجمعة الماضي بأنه لا مكان للذين خرجوا من الحكومة في المعارضة.
وألحق الحزب الشيوعي تلك التصريحات ببيان من لجنته المركزية أشار فيه الى أن تعمق الصراعات داخل النظام وأجهزته وتنامي الخلافات بين أطرافه قاد إلى انسلاخ الجبهة الوطنية للتغيير وحزب الأُمة (جناح مبارك الفاضل)
وأضاف (هي خطوة تصب في مصلحة الحركة الجماهيرية وفي تفكيك النظام غير ان هذه القوى أعلنت البرنامج البديل المعتمد على مخرجات الحوار الوطني الذي كان الهدف منه إطالة عمر النظام والسير في نفس الطريق الذي أدى الى تفاقم الأزمة العامة والتي لن تؤدي إلا لتغييرات إصلاحية وشكلية ).
موقف غازي
غازي صلاح الدين هو الآخر قال أن خطوة الجبهة الوطنية للتغيير لاتعني التخلي عن الحوار الوطني وهو موقف يعتبره المراقبون بأنه تفاوضي لايهدم مابني في الحوار ولكنه يسارع لبناء جديد يخدم التغيير.
بين مطالبة البعض بإزاحة الإنقاذ من الحكم وبين قناعة الحكومة بجدوى بقاءها في السلطة تظل هناك حالة من الشكل الرمادي الذي لايمكن رؤية الأشياء من خلاله واضحة، والى ان نرى الأشياء واضحة فإن مياهاً كثيرة ستجري تحت الجسر خلال الأيام المقبلة.