الجيش وتكوينه وقيادته لوحة فنية متحركة ومكتملة ولن يكمل اللوحة إلا فنان
كان للنقيب معاش فيصل حسن يعقوب الفضل الأكبر في إبراز موهبتي الشعرية
العمل في القوات المسلحة فن لايجيده إلا صاحب موهبة فذة
*نواصل ما انقطع من حديث في الحلقة السابقة عن اهتماماتك الأدبية وخاصة فيما يتعلق بكتابة الشعر ومن كان لهم الدور في اكتشافك وتشجيعك؟
-أشكرك جداً يا أستاذة علي تسليطك الضوء على هذه الناحية من شخصيتي الذي كان خافياً على الكثيرين وفي الحقيقة كان للأخ والصديق والنقيب معاش فيصل حسن يعقوب الفضل الأكبر في تشجيعي علي كتابة الشعر وكان هو الشخص الوحيد الذي يطلع علي كتاباتي.
*من الملاحظ الحضور الكامل لعناصر الطبيعة في مفرداتك الشعرية فأين تجد صفاء الذهن للتصنت للطبيعة مع طبيعة عملك كثيرة الحركة؟
-التصنت للطبيعة صفة تلازمني منذ نعومة أظفاري ولا أخفيك سراً أنني اتنفسها واستقي منها مفرداتي اللغوية واذكر من ذلك حينما كنت نقيباً وكنت أجلس تحت شجرة خارج الموقع حيث أتى سرب كبير من الطير متجه من الشرق إلى الغرب في اتجاه أهلنا وحبايبنا البنعزهم .. فقلت مخاطباً الطير في رسالة طويلة بعد أن استفسرت منهم من أين تغدون وإلى أين تروحون ولم يجيبوني فقلت لهم. .....
من أين تغدون وإلى أين تروحون
من شدة الوجد إلى لوعة السكون
أم من حنين طال وقلب مغرم مفتون
يارسائل الغمام من أين تغدي
قفي احملك من لهيب وجدي
لمن فتن قلبي واضناه ودي
سلميلو اسأليهو عن عهدي
الخ القصيدة والمؤلف من ما يقارب الثلاثون بيتا
*وماذا عن الشعر الصوفي؟
-من ذلك قصيدتي(أهل الطريق)
أذكر حدود ربك لاتهتك عرضك
اطري الموت وقبرا طولك وعرضك
صلي وسلم علي المصطفي ادي فرضك
شبابك وعافيتك قبال شيبك ومرضك
شمر ساعديك شوف اللالوبة وقرضك
داوم على ذكر الكريم يقضالك غرضك
الخ ابيات القصيدة
*ولنعد أدراجنا إلى فترة القوات المسلحة وما أضافته لك كفرد فاعل آنذاك؟
-العمل بالقوات المسلحة أضاف لي فرصة رائعة لدراسة دبلوم الهندسة المدنية وبعدها بكالاريوس إدارة الأعمال بجامعة السودان المفتوحة ،كما أتاح لي زيارة العديد من الدول الأفريقية والعربية والآسيوية.....كما أتاح لي التعرف على العديد من المعالم الأثرية ببعض الدول ومن أجمل مارأيت وراقني غرفة نوم محمد علي باشا والتي اجتهدت في تنفيذها في بيتي.
*مابين القوات المسلحة. ..الماضي والحاضر؟
-العمل بالقوات المسلحة فن لا يجيده إلا صاحب موهبة فذة. والآن أنا صاحب ورشة ألمونيوم للأبواب والشبابيك والصيدليات والمطابخ الحديثة وكل اللوازم المكتبية والبيتية وهذا أيضاً نوع من الفن أجيده بكفأة عالية .
-جيد ماتقول ولكن ....ما العلاقة بين القوات المسلحة وهذا الفن؟
-كلاهما فن ، فمن السهل جداً أن يقدم أحدهم للكلية الحربية ويقبل، فالفن يظهر منذ اليوم الأول لدخولك الكلية الحربية ،والفن أن تعرف كيف تتصرف في كل موقف يقابلك على وجه العموم حتى المواقف الصعبة فضروري الشخص يجد لها حلاً ولايفعل ذلك إلا الشخص الفنان، فإن لم تكن فناناً فلن تستطيع تحرير منطقة ما
فالجيش نفسه وتكوينه وقياداته وإدارته وإعاشته وحركته تعتبر لوحة فنية متحركة ومكتملة ولن يكمل اللوحة إلا فنان.
أما الألمونيم فهو شغل فني جميل يجعلك تخرج عن المألوف المنتشر في السوق وهذا يحتاج لشخص يجلس له وينفذه ويرسمه.
*دافعك للاتجاه للألمونيوم؟
-لم أخطط للعمل في الألمونيوم والصدفة من وضعتني في هذا الطريق، وإحساسي فقط أنني سوف أبدع في هذا المنحى على الرغم من أنه كان في معيتي عدد من المشاريع بعد أن ترجلت عن العمل في القوات المسلحة وبفضل اللـه وقع اختياري على الورشة.
فقد كان الدكان الموجود بمنزلي مستأجراً لحلاق وبعد انصرافه وجدت لافتة بداخله فأخذت اللافتة ومعي ولدي المجتبى وذهبنا للسوق وحولناها لورشة المغتربين لأعمال الألمونيوم )
وقمنا بتعليق اللافتة ولم يكن معي من الأدوات سوى مفك أحمر واحد فقط ووضعت الكرسي وجلست تحت اللافتة فجاءني أحدهم وعرض علي شراء ورشة متكاملة للألمونيوم وقد كان وكانت تلك بدايتي واستأجرت صنايعي وكانت تلك انطلاقتي في العمل ،وآخر الصنايعين الموجود الآن وهو محمد الحافظ وهو رجل ولا كثير من الرجال.
*لنعود قليلاً إلى الوراء ونتوقف في محطة الطفولة ومواقف في الذاكرة. ؟
-أذكر وأنا في السنة الثالثة من المرحلة الابتدائية وكان لأبي بقرة ضائعة وركبت خلف أبي على ظهر حمار شرس وكان حين يجري ويهرب لاتستطيع كل الحلة الإمساك به، ولما وجدنا البقرة هربت عن مسارها للمرة الثانية ولما جرى أبي خلفها فكرت في مساعدته فربطت الحمار بعرق قصبة وعلى الرغم من أنه لم يكن يفي بالغرض ولكن عندما رجعنا بالبقرة وجدنا الحمار لايزال في مكانه. .وذلك يدل على أن إيحاء الربط للحمار كافٍ لجعله يقف مكانه لحين عودة سيده.
ومن المواقف الراسخة في ذاكرتي وكان ذلك فور التخرج من الكلية الحربية حيث دفعت بنا الفرقة الثالثة الشمالية إلى مركز تدريب جبل أولياء مع سرية من الكتيبة نفسها لحضور دورة الأسلحة المعاونة وفي معيتي الأخ الصديق الباقر أحمد محمد عبد الملك وفي يوم من الأيام كنا مدعوون لحفل نهاري في استراحة الري فوق الجبل فذهبنا ووجدنا الفنان الأستاذ عبد الرحمن عبد اللـه وهو فنان الحفل الرئيس.. وفي ذلك الوقت لم يكن الاختلاط بالكيفية الحالية، وكان الشباب يقفون صفاً شمال الفنان والشابات في صف آخر يمين الفنان المتجه جنوباً وكنت في ذلك الوقت برتبة ملازم ومعجب بنفسي جداً وكنت أقف بالمقدمة وكانت توجد في صف النساء (بنية حليوة ) متجهة علي وهي في الحقيقة حيتني أكثر من مرة وكنت متردداً هل اتجاوب أم لا ولكني رديت التحية ولم اتحرك للوصول إليها وخشيت لو شاغلتها تهرب مني كالأرنب واكتفيت بالنظر فقط. ...وفجأة طلعت البنت من الصف واتجهت نحوي مباشرة وكانت تمد يدها من على البعد وعندما وصلت وجدت أني لم أكن المقصود بل من كان خلفي مباشرة وخرج من الصف وسلم عليها وخرجت أنا من الحفل مباشرة
وكان ذلك الموقف ميلاداً لقصيدتى (لا. ..لا ) ومطلعها. ..
من جمالا ومن دلالا. .لا لا
الخلت نار قلبي موقدة من دلالا
الحفلة الضوت سماحة
وهي بقت هلالا
لا لا. ...ولالا
وتاني لا لا
اسألا كم عمرها
وكم ضغط جمالا
يايوسف لالا
اوعاك سؤالا
*لنختم هذه الدردشة ببعض من أبيات قصيدتك والتي دبجتها لنعي فقيدة الأسرة طفلتك الراحلة الطفلة مزن ؟
-طفت بالدنيا وبلغت حدودا
شفت خلقة ربنا المي محدودة
شبيهت الريل النايرات خدودة
كريمة الأصل حلوة الفصل العزاز جدودة
شبيهتك يالسمحة في البنات مي موجودة
الحرقت قلوبنا بي نيران صدودة
انا باقي علي العهد وإن كملت المعدودة