الأحد، 21 أبريل 2019

مقالات:الجريدة


عبدالرحمن حامد يوسف 

 عندما يتم وضع الهيكل العام للرسم بواسطة كاتب ، والتلوين يتم بريشة باش كاتب فتأكد تماماً أن للوحة جماليات وأبعاد لا مثيل لها .
أغنية الجريدة منتوج نوعي عظيم بالرغم من أنها تبرجت في سماء الأغنية السودانية منذ سنوات إلا إنك بمجرد الانصات لها تحس كأنك تسمعها للمرة الأولى ، فصدق وبساطة الكلمات التي تجّود علينا بها الكاتب الكبير/فضل الله  محمد جعلها تخاطب آذان المستمع بصورة مباشرة فوق  ذلك كان للحن الفريد والتوزيع الموسيقي الذي جعل جميع الآلات تعمل بتزامن رهيب مع مصاحبة صوت قوي ونادر في الوجود مشنّف جيد للاذان وكامل الأركان لا يلامسه شهيق . مع كل هذه الروعة كان هناك أسلوب إثارة للمستمع وانتظار لمفأجئتان الأولى في الكلمات حيث يتوه المستمع في الشيء الذي أبعد فكر المحبوبة عن الشخص الذي ذاب في عشقها لدرجة أن يقرأ في عيونها كل حياته ليكتشف إنها كانت تطالع في جريدة أو صحيفة .  والمشوق الآخر أبدع فيه الفنان العملاق محمد الأمين (الباشكاتب) مع خواتيم اللحن حيث كان يردد مقولة : كنت عايز عايز أقول .. أقول فيعم الصمت من الجميع حتى الفرقة الموسيقة تشعر بأنها بانتظار ماذا سيقول الباشكاتب لكن بكل أسف يعود لبداية المقطع وتعود الموسيقى ويبتدي لمرات كثيرة يكرر نفس الجملة ويقول:  كنت عايز عايز أقول .. وأقول ويعم الصمت ليقترب من جهاز مكبر الصوت ويقول بصوت فخيييم : بحبك !! . بعدها تعلو صافرات الإعجاب وتصفيق الجمهور أرجاء المسرح.
أحداث الأغنية بكل تأكيد دارت في زمن جميل غير الذي نعيشه الآن وهو الزمن الذي كان الشعب السوداني ينتظر فيه كل صباح صدور الصحف اليومية ويحرص فيه الكل على امتلاك الصحيفة التي تشبع رغباته الفكرية والمعرفية . لن أبالغ إن قلت إن الجريدة كانت أهم من تناول كوب شاي الصباح لدرجة تصل مرحلة الادمان عند الكثيرين والأكثر غرابة إننا كنا نحب حتى رائحة الصحف التي ربما يقول مكابر وهل للصحف رائحة ؟ .  في الماضي وبالقرب من موقع سكني كانت هنالك مكتبة بمحطة المواصلات العامة ، خاصة بالصحف  كان الحضور  لها كبير لفئات مختلفة من المجتمع بأعمار متفاوتة ، وكانت تقام حلقات للنقاش بصورة غير منتظمة حال تأخر الشاب سراج (صاحب المكتبة) عن الحضور في موعده.. وأثناء النقاش نشرئب كلما حضرت حافلة تحمل ركاب لنرى إن كان سراج بينهم.  طال بعادي لسنوات بسبب ظروف العمل عن هذه الأجواء وعاودني الحنين إليها صبيحة جمعة في الأسابيع الماضية فوجدت إن المكتبة تحولت لأطلال وأكتفى جميع من في المحطة بالرد على سؤالي : بانه كانت زمااااان ياخ . 
سمعت كثيراً إن هنالك ورش عمل أقامها أهل الصحافة والمطبوعات عن مستقبل الصحافة الورقية والتي يراها الكثير إنها ربما تصل مرحلة الزوال ،  بالرغم من إنني لم أحظ بحضور أي منها إلا إنني أرى إن للتقدم التقني وسهولة وسرعة امتلاك المعلومة والخبر عبر خدمة الانترنت المتوفرة في الهواتف الذكية التي يحملها أغلب الناس بالأضافة لسهولة الحصول على عناوين الصحف وتناقل الأعمدة والمقالات المهمة لكبار الكتاب على المواقع الاسفيرية وإذاعات الـ F .M  . عاون هذه العوامل زيادة تكلفة الورق والطباعة والذي بدوره ينعكس على رفع قيمة الصحيفة لمبلغ ربما يساعد في حل مشكلة آخرى من كمية المشاكل التي تحد بالمواطن . بخلاف ذلك لم يجتهد أهل الصحافة في منافسة المواقع الخبرية بابتداع أشكال جديدة ومشوقة للحوار والتحقيق والتوثيق وصناعة الخبر ، فمجرد تقليبك لصفحات الصحيفة تشعر كأنك قرأتها من قبل فتنقطع الكثير من حبال الود التي كانت ترتبط بينك وبينها ويطفى لهيب الشوق تدريجياً وتنخفض حرارة وعد اللقيا.
فيا أهل الشأن الأمر يحتاج لوقفة لا تملوا من تنظيم المزيد من ورش العمل ، أشركوا الجميع فيما تصلوا إليه من أسباب ونتائج .. حاولوا تخفيف القيمة المادية بأي طريقة حتى لو تطلب الأمر طلب دعم من الدولة أو من أي جهة أخرى . نريد في القريب العاجل أن تعود الصحف لسيرتها الأولى تشغل المحبوبة عن حبيبها برهة حتى تكملها .