الأحد، 21 أبريل 2019

مقالات:تأملات: أملوها بركة.. وسموها رضينا


صحيح أن كل أهل السودان تقريباً قد شاركوا في صناعة ثورة ديسمبر المجيدة التي فتحت صفحة جديدة في تاريخ السودان، ولكن لا أحد ينكر الدور العظيم للقوى الحية التي سجلت هدف الفوز الغالي، في المرمى الخالي للإنقاذ ؛ بعد أن فقدت كل مشروعيات البقاء، وبعد أن استنفذت كل الفرص التي أتيحت لها، وسقطت عنها آخر ورقة توت كانت تستر بها عورتها، فبدت كل سوءاتها رأي العين لكل ناظر، هذه القوى الحية هي التي قادت الحراك الأخير، وكسرت حاجز الرهبة الذي كان يقف حائلاً  دون تقدم كثيرين كانوا قد زهدوا في الإنقاذ لكنهم كانوا يخشون بطشها؛  هم تجمع المهنيين، وقوى الحرية والتغيير، وكل القوى الثائرة الأخرى التي ظلت مرابطة في حرم القيادة العامة، وتقف معهم على ذات المسافة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى التي لو لم يزد دورها عن القوى المدنية، فلن يقل عنها، وهي جميعها المعنية بهذا الخطاب.
اليوم هو يوم فاصل في تاريخ الثورة، وهو اليوم الذي تظهر فيه (أم الولد) ولعل الناس يذكرون تلك القصة التي تحكي عن امرأتين تنازعتا حول أمومة طفل زعمت كل واحدة منهن أنها والدته، فلما عجز القاضي عن تحديد الأم الحقيقية قضي بشقه نصفين تأخذ كل واحدة منهن نصفاً ، فلما قبلت واحدة بهذا الحكم، أعلنت الثانية تنازلها عن الطفل للأخرى، فعلم القاضي أن التي تنازلت هي الأم الحقيقية للطفل، فأمر لها به.
فحتى لحظة كتابتي هذا المقال مساء الأمس السبت لم يتفق المجلس العسكري الانتقالي مع قوى الثورة المدنية على تشكيل أجهزة الحكم، ولم يتفقوا حتى على آلية التشكيل، وكانت القوى الثورية المدنية قد أعلنت اليوم الأحد الواحد والعشرين من شهر أبريل الساعة السابعة مساء موعداً  للمؤتمر الصحفي الذي يعتزمون عقده في ساحة الاعتصام بجوار القيادة العامة للقوات المسلحة، ويعلنون من خلاله أجهزة الحكم التي اختاروها، ومثل هذا الأمر لو تم بهذه الطريقة قد يباعد بين مكوني الثورة الأساسيين، وأعني القوى الثورية المدنية، والقوات النظامية، وهي مباعدة لا يعلم أحد إلى أي درجة تقود، ولكنها حتماً  سوف تخصم من الثورة خصماً  كبيرًا، وقد تردها على أعقابها خاسرة. وسيكون هناك متربصون يسعون للإستفادة من هذه الأجواء، ولن تقف الخسارة عند هزيمة الثورة وحدها، ولكن السودان كله يمكن أن يخسر حاضره ومستقبله معاً ، وقد تقود إلى فوضي لا تهدأ الأوضاع بعدها ابداً ، وهذا ما يتمناه كثيرون من أعداء الوطن، وأعداء الثورة، والذين يمكن أن يتضرروا منها، وفي مقدمتهم أركان فساد النظام السابق.
وبرغم أني أميل إلى رؤية معينة لتشكيل أجهزة الحكم في المرحلة المقبلة، لكنني أسكت عنها اليوم وأدعو قادة الثورة المدنيين والعسكريين لتجزئة التشكيل، ولتكن البداية بما هو متفق عليه، مجلس الوزراء الانتقالي، وأجهزة مراجعة وتقويم أداء الحكم السابق، ومؤسساته، ولقد بدأ السيد النائب العام في ذلك، فبالنسبة للجهاز التنفيذي فهو مطلوب لتسيير دولاب الدولة الذي يجب ألا يتعطل أكثر من ذلك، وليس هناك خلاف على تشكيل المجلس، فالاتفاق أن يتم ترشيح رئيس المجلس من الشخصيات الوطنية ذات الكسب المعروف، ويحظي بقبول واسع من أهل السودان، ويبدو أن هناك شبه إجماع علي المناضل الدكتور مضوي إبراهيم آدم صاحب السيرة العطرة، والرؤى الموضوعية الحكيمة، وهو خيار أغلب الثائرين المدنيين، ومحل احترام العسكريين جميعاً ، أما تشكيل المجلس، فلا خلاف على أن يكون المجلس رشيقاً، وأظن أن المقترح أن يضم سبعة عشر وزيرًا من أهل الكفاءة والقبول، ويمكن أن يرشحهم رئيس مجلس الوزراء المتوافق عليه، بالتشاور مع كل القوى السياسية الفاعلة، ويباركهم المجلس العسكري الانتقالي، وتكون الكفاءة هي المعيار الوحيد للترشيح. ويظل المجلس العسكري الانتقالي يقوم بدور السيادة، وحفظ الأمن والتوازن، وتستمر المشاورات من أجل استكمال بقية أجهزة الحكم الضرورية في المرحلة الانتقالية التي أري أن عامين كافيين لها، عام لإعادة الضبط، وعام للإعداد لانتخابات حرة نزيه، تكون الأحزاب والقوى السياسية قد استكملت فيها بناء أجهزتها وهياكلها، وخاطبت قواعدها، ويستمر الحوار أيضاً حول مجلس السيادة، هل يترك المجلس العسكري الانتقالي ليقوم وحده بمهام السيادة طوال فترة الانتقال، أم يضاف إليه مدنيون يشكلون إضافة نوعية له، ولكن المهم والأهم أن يبارك الثوريون المدنيون والعسكريون هذا الحل الوفاقي، و (يملوها بركة) ويسموها (رضينا)، من أجل أن نعبر ببلدنا هذا المطب، ونجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحافظ الله.