الثلاثاء، 23 أبريل 2019

مقالات:تأملات:الجيش والتغيير .. المسافة ليست بعيدة


على عكس كثيرين، لا أرى في ما حدث أمس الأول في ساحة الإعتصام نهاية للعلاقة بين المؤسسة العسكرية، وبين إعلان الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، ولا أعتبر إعلان المتحدثين باسم الثوار وقف الحوار مع المجلس العسكري خاتمة المطاف، وفي تقديري أن ذلك كله مواقف تفاوضية قابلة للتعديل والتغيير والإلغاء، وما دام المتحدثون باسم الثوار لم يعلنوا أسماء أجهزة الحكم المقترحة من جانبهم، فكل شيء ممكن. وكان المعتصمون قد قرروا إعلان أسماء أعضاء مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، والمجلس التشريعي، المقترحين من جانبهم دون انتظار المجلس العسكري الانتقالي، وبدون الرجوع إليه. 
وأعتقد أن كل ما قيل من جانب الطرفين، لا سيما الذين يتحدثون باسم الثورة، قابل للأخذ والرد، وأكثره لمواقف نفسية، أو تفاوضية، ولا زلت عند رأيي الذي ذكرته في مقال سابق أن المؤسسة العسكرية بمكوناتها الأربعة، الجيش والشرطة والأمن والدعم السريع، ومعهم تجمع المهنيين وإعلان الحرية والتغيير يمثلون (أم الولد) بالنسبة لثورة ديسمبر، ذلك رغم مشاركة قطاعات واسعة من أهل السودان في صناعة الثورة، وقد لا يوجد أحد من أهل السودان لم يشارك في الثورة باستثناء الواهمين من منسوبي النظام السابق، الذين لم يستبينوا النصح، ولا حتى ضحى الغد الذي صار من الماضي، ولذلك لا أتوقع أن يظل هذان الطرفان أو أحدهما في موقف جامد إلى ما لا نهاية، هذا فضلاً عن أن من عبقريات أهل السودان أنهم جميعاً مثل (الخيل الحرة) جميعهم (يأتون في اللفة) أي في الزمن الحاسم، وقد دنونا من الزمن الحاسم. 
ودعونا نتناول المسائل الخلافية، ونبحث عن نقاط التلاقي الوسطى التي يمكن أن يتحرك نحوها الطرفان، ولا بد أن نثبت أولاً أن المؤسسة العسكرية كان لها فضل السبق في التنازل، ونشير في ذلك إلى التغيير الذي أحدثته في المجلس العسكري الانتقالي بعد أربع وعشرين ساعة فقط من تكوينه استجابة لساحة الإعتصام، وهذا يشجعنا إلى أن نطلب منها مزيد من التنازلات، وهي جديرة بذلك، لا سيما وإنا جميعاً نثق في ما تقول من زهد في الحكم، وأنها لم تفعل ذلك إلا حقنا للدماء، واستجابة لما كان يطلبه المتظاهرون الذين احتموا بساحتها وظلوا يهتفون (جيش واحد شعب واحد) فبالنسبة للمجلس السيادي، فعلى الرغم من أن المنطق والتجربة تمنح ذلك للمؤسسة العسكرية، وأعني بالتجربة تجربة ثورة أبريل 1985م، التي قام فيها المجلس العسكري الانتقالي برئاسة الراحل المقيم المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب بمقام السيادة، وترك الحكم التنفيذي لمجلس الوزراء المدني الانتقالي برئاسة الدكتور الجزولي دفع الله، وهذا هو الوضع الطبيعي الذي ينبغي أن يحدث هذه المرة أيضاً، ولكن يمكن زيادة عدد المجلس العسكري الانتقالي الحالي إلى خمسة عشر، بإضافة خمسة مدنيين من قوى الثورة إلى العسكريين العشرة، ويسمى واحد من المدنيين نائبً ثان للرئيس مع الفريق أول حميدتي، وتحذف من المجلس كلمة (عسكري) ويصبح (مجلس السيادة الانتقالي) هذا المجلس يختار رئيس مجلس الوزراء من بين ثلاثة أسماء ترشحها قوى الثورة المدنية، ويقوم رئيس الوزراء المختار بترشيح ثلاثة أسماء لكل وزارة من أهل الكفاءة والاختصاص، ويدفع بها لمجلس السيادة، فيختار واحداً من بين كل ثلاثة وزيرًا للوزارة المعنية. أما بالنسبة للمجلس التشريعي فلا أرى له مبرراً، وكل القضايا التي يودون اسنادها له تحتاج إلى مجلس تشريعي مفوض من الشعب، تم تشكيله عبر انتخابات حرة نزيهة، وهذا يجعلنا نرجح خيار العامين للفترة الانتقالية، تكون مهمة هذه الفترة الرئيسية محاسبة الفساد والمفسدين في العهد البائد، ومداواة علل الخدمة المدنية كافة، عبر مفوضيتين، واحدة لمكافحة الفساد، والثانية لتقويم وتقييم الخدمة المدنية، وتنشأ مفوضية ثالثة للإنتخابات، ونكون بذلك قد مهدنا الطريق لعبور هذه الفترة الحرجة بسلام، وأسسنا لعهد جديد، نسأل الله أن يكون نهاية لدورة الحكم الخبيثة التي صارت سمة للحكم في السودان منذ استقلاله، حكومة منتخبة، انقلاب، فترة انتقالية، حكومة منتخبة، انقلاب، وهكذا، والحافظ الله.