الاثنين، 25 مارس 2019

مقالات: العاصمة المثلثة بين الأمس واليوم (4)


وثائق:
ونكرر القول إن الحديث عن الخرطوم ذو شجون حيث (المهدي) الذي كذلك خرج منها ليقاتل الاحتلال التركي (بشيكان) بوسط السودان وقتل (هكس باشا) هناك... وكل هذه الأحداث التاريخية العظيمة الخالدة تؤكد على أهمية الخرطوم التي أصبحت بعد الاستقلال العاصمة الرسمية للدولة. أصبحت العاصمة المثلثة بكفاح أبنائها جميعهم القادة العسكريين والفنانين والعلماء والصوفية والشعراء... ونحن للتاريخ لن ننسى فضل هذه الكوكبة العظيمة من هؤلاء الرجال الأفذاذ وكثيرين غيرهم لهم جميعاً منا الأحفاد الشكر والتقدير والتمجيد. ونأمل أن نكون قد سجلنا بعضاً من هذا التاريخ الفريد لكي (يلم به) الذين يأتون من بعدنا والمثل يقول (النسا قديمه تاه). ونعرج قليلاً تجاه النفوذ التركي بالخرطوم حيث آثار نتائج الحرب العالمية الثانية وهزيمة الألمان والإيطاليين خاصة بالشرق الأوسط وروسيا بعد التدخل الأمريكي المفاجئ الذي أضعف تماماً الوجود والنفوذ العثماني بالخرطوم (السودان) وما تعيين (الملك فؤاد) ملكاً (لمصر والسودان إلا نتاج تلك الهزيمة العالمية المعروفة). الشيء الذي أدى إلى تقوية (النفوذ المصري البريطاني) داخل الخرطوم وجود الجيش المصري (بقشلاق  عباس) وسط الخرطوم. حيث بعدها نجد أن البريطانيين استحوذوا بالكامل على (الخرطوم السودان) وهذا بعد أحداث القاهرة الدموية بشوارعها حيث اغتيال الإنجليز. الشيء الرئيسي الذي جعل (القاهرة) تحت المظلة البريطانية وأصبحت مثلها مثل الخرطوم تماماً.
وهذا ما جعل حقيقة القاهرة والخرطوم يتفقان على جلاء الاحتلال من (وادي النيل) حيث ظهرت الأحزاب الوحدوية (في مصر والسودان) بقيادة (سعد زغلول والأزهري) والسيد علي الميرغني (حزب الأشقاء) بجانب حزب الأمة والاخوان والشيوعيين ونجد أن ظهور الأحزاب السياسية (بالخرطوم خاصة) كانت نتاج ذلك الكفاح السياسي المستمد داخل (العاصمة المثلثة) (أم درمان  بحري  الخرطوم بين النيلين). حسب ما شرحنا مسهبين آنفاً.
ونقول إنه بعد حرب (1948م) بفلسطين وهزيمة الجيوش العربية نقول ظهرت عدة حركات مسلحة ومقاومة شرسة ضد الاحتلال البريطاني (بالقاهرة والخرطوم) حيث حركة (عرابي باشا) وحركة المقاومة السرية للأخوان المسلمين (بقناة السويس) وما تلك الاغتيالات للشخصيات السياسية المحلية والأجنبية المهمة (بالقاهرة) إلا شاهداً على رفض الاستعمار البريطاني على (القاهرة والخرطوم) أما بالخرطوم فقد ظهرت عدة تحركات سياسية وعسكرية ضد الاستعمار (بالخرطوم) مثل (تنظيم الضباط الأحرار) حيث المعارك وحركة (ود حبوبة) بالحلاويين مع ظهور (المهدي المنتظر) هذه هي الخرطوم زمان كفاح سياسي وعسكري عجل بإعلان ورفع علم السودان للسودانيين لا مصري لا بريطاني.
والحديث عن الخرطوم قبل الفتح العثماني ومنذ آلاف السنين يدفعنا للحديث عن الحضارة القديمة للسكان حيث الفنون والعلوم والعمران والتراث... هذا التاريخ التليد المهم لتلك الحضارة الأولى في تاريخ البشرية حسب توثيقات المؤرخين الأجانب والمحليين.
نعم لقد جمعت الخرطوم القديمة عشرات بل مئات الحضارات من كل أمم العالم الخارجي حسب ما وضحنا من هجرة غير مسبوقة لتلك البقعة من الأرض. حيث جاءت مستوردة معها كل علوم وفنون العالم الخارجي... حيث المهندسين والفنانين والشعراء والأدباء وكل مبدعي المعمورة أتوا لأرض ما بين النيلين للأسباب المذكورة أعلاه... فكانت يومها الخرطوم حبلى وتلد كل يوم "طفلاً" ذكياً مشبعاً بكل حضارات الثقافة والفن والابتكار والإبداع... فظهر الشعراء وظهر معهم الغناء وظهر معهم الطبل والربابة والدلوكة والصفارة والنحاس والدف وكذلك النوبة والسوط (والصياع) والمداح... وكان ذلك تراثاً هائلاً عظيماً... حيث الطمبور والحوحاي وخلافه الشيء الذي جعلها (بلدة) (الثقافة العالمية)... لأن كل الوافدين داخلها كان كل واحد منهم يتغنى يرقص ويشعر ويلعب حسب عادات وتقاليد وطنه الذي نزح أو هاجر منه. وهكذا كانت العاصمة المثلثة بالأمس قبلة الثقافة والفنون والعلوم والأدب والتراث لكل دول وبلاد العالم القديم. ونحن (نقتضب) الحديث في هذا المجال... لأنه مجال واسع وكبير سنخوض غماره إن شاء الله في وقت لاحق في غير هذا المجال.