الخميس، 1 أغسطس 2019

مقالات:مدرسة بحري التجارية و ألق التعليم الفني في السودان


 رافقت الأستاذ الإمام عبدالباقي الإمام حينما كان مديرا للمرحلة الثانوية بمحلية بحري في العديد من زياراته الميدانية لواقع المدارس الثانوية في الريف والحضر، ولمست من خلالها مدى اهتمامه بكل شؤونها وجوانبها، كما لحظت كوامن الاحترام المتبادل والتعامل الودي بينه وإدارات هذه المدارس ودرجات التنسيق والانسجام في كيفية إدارة دولاب العمل الإداري والتربوي، وهذا لوحده كان سببا كافيا لحل جميع الإشكالات بروح طيبة وصبر وجلد وتفان وحكمة.
  وخلال طوافي معه زرت  مدرسة بحري التجارية الثانوية الحكومية للبنات، فكان أن علمت إثر ذلك ولأول مرة أن هنالك مدرسة تجارية في محلية بحري أو ولاية الخرطوم عموما، بعد أن ظننت بخلو وتلاشي وانعدام هذا المساق في السودان أو ولاية الخرطوم على وجه الخصوص نسبة للاهتمام المتعاظم بالمجالات الأكاديمية فقط، ولكني تفاجأت بوجود هذه المدرسة في بحري ، وقد سعدت باهتمام الأستاذ الإمام والأستاذة مناظر شريف محمد شريف مديرة المدرسة بهذا المساق المهم والتفاف أهالي منطقة الدروشاب حولها حتى حققت جميع عوامل النجاحات لها عاما بعد عام وتكللت كل هذه المجهودات الثرة بإحراز المدرسة نسبة نجاح ١٠٠٪ في نتيجة الشهادة الثانوية هذا العام.
  ولسعادتي بهذه المدرسة وتجاوز كل العقبات التي اعترضت طريقها ولتوفيق مديرة المدرسة في تثبيت أركانها وتقوية دعائمها وخلق أسباب استقرارها ونجاحها وددت التوثيق لها، وإثارة نظر المختصين نحوها حتى تحقق أهدافها المرجوة منها وغاياتها المنشودة وبرامجها المرصودة لمستقبلها، لأن المجال التجاري أضحى في غاية الأهمية لارتباطه بكل مجالات التقنية الحديثة ولاعتماد جوانب التنمية عليه ولتعلق مستقبل البلاد به لأنه يمس عصب الكثير من الشركات والمؤسسات.
   أنشأت هذه المدرسة في العام ١٩٧٩ م كمدرسة ابتدائية في الدروشاب جنوب شرق، ثم تحولت بعد ذلك لمدرسة ثانوية أكاديمية للبنين، وبعد أن نقلت الأخيرة لموقع جديد بعد أن تم بنائها رأسيا، تحولت إلى مدرسة تجارية ثانوية للبنات في العام ٢٠١٢ م، ووقع العبء في إنشائها وتأسيسها حينئذ على الأستاذة مناظر شريف محمد شريف كأول مديرة لها ، ومازالت تواصل عطاءها الثر حتى تحققت نجاحات عديدة وملموسة على يديها.
    فاستمعت واستمتعت بسردها  لتاريخ المدرسة بغرض التوثيق ومعرفة الناس بها بعد أن خرجت من رحم العدم، لأنها استلمتها مباني خاوية على عروشها ليس بها إجلاس أو كتاب أو إجهزة كهربائية  وبدون أي مقومات لقيام مدرسة ، فصبرت وثابرت واجتهدت ، وكانت ضربة البداية بعددية قليلة جدا من الطالبات جلسن لامتحان الشهادة الثانوية في نفس عام إنشائها، وتدرجت بها في مراحل التطور والتقدم برغبة قوية وإخلاص تام ومعاناة وصعوبات حتى أوصلتها للوضع الحالي إذ توجد بها هذا العام ما يقارب المائتي طالبة ، وظلت سمعة المدرسة تتنامى  وجميل فضل إدارتها يلمتس مما كان له الأثر البالع في ازدياد رغبات الطالبات في التحول والانتقال من المجال الأكاديمي إلى المساق التجاري لأن مستقبله أضمن في مجالات عمل شتى.
  وقد علمت من الأخت المديرة أن العلوم التجارية مرتبطة بالتطور والتنمية من خلال المعاملات التجارية والمحاسبية خاصة وأن غالبية المواد الدراسية مرتبطة بالحاسوب، فهنالك ثلاث مواد عملية تدرس عمليا داخل معمل الحاسوب وهي( التطبيق على الحاسب الآلي والمحاسبة الألكترونية وتكنلوجيا المعلومات)، إضافة إلى مقررات المواد الأساسية وهي الرياضيات والتربية الإسلامية واللغة العربية واللغة الإنجليزية، وهنالك مواد فرعية أخرى وهي المحاسبة والتسويق الاقتصادي والتكاليف ويمكن تعويض مادة التكاليف لمن لا يرغب في دراستها أو الجلوس لامتحانها بمادة الرياضة المالية وهو مجال أقرب للإحصاء وعواقب مستقبله جيدة خاصة في البنوك والشركات داخل وخارج السودان.
   ويقبل منتسبو المدارس التجارية في جميع الكليات النظرية والأدبية مثل الاقتصاد والمحاسبة وإدارة الأعمال والبنوك والمصارف، وأيضا الشبكات والحاسوب وتقنية المعلومات، وتقل نسبة التحاق طلاب وطالبات المدارس التجارية بالجامعات والكليات عن نسبة التحاق طلاب وطالبات المدارس الثانوية الأكاديمية الأخرى نسبة للتخصص، كما أن دراستهم التخصصية في العلوم التجارية تسهل عليهم كثيرا استيعاب المقررات في الجامعات وتفوقهم في ذلك ، وهذا بدوره يجعلهم أكثر تمكنا في تطبيق هذه العلوم بعد تخرجهم وتوظيفهم، وبالتالي يصيروا أكثر تأهلا في العمل في البنوك والمؤسسات والشركات.
            ونلفت نظر المسؤولين في وزارتي التربية الاتحادية والولائية بضرورة الاهتمام الخاص بمدرسة بحري التجارية الثانوية الحكومية للبنات لأنها المدرسة التجارية الوحيدة بولاية الخرطوم ، ولأن المدارس التجارية في السودان أضحت قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة كما في كسلا والقضارف ومدني ومدن أخرى ، وهذا المجال من الأهمية بمكان في تقدم الأوطان ، كما نشير أخيراً بأن المدرسة تتمتع بمعلمات متخصصات في المجالات التربوية ويحملن درجة الماجستير في ذلك كما أن أهالي منطقة الدروشاب يعضون عليها بالنواجذ ويبذلون قصارى جهدهم لاستقرارها- رغم ضيق ذات اليد- فقط تحتاج إلى المزيد من الاهتمام وإكمال النواقص وتعضيد رسالتها حنى تؤدي دورها على الوجه الأكمل المطلوب.