* ولرمضان في السودان طعم ومذاق خاص والكثير من الطقوس حيث يتكافل فيه الناس ويتفقدون بعضهم بعض وتقام فيه موائد الإفطار في الطرقات ويتشارك فيها الجميع لافرق بين الفقير والغني كلهم يتساوون فيه وتلك هي الحكمة من صيام هذا الشهر حيث يشعر فيه الأغنياء بمعاناة الفقراء ويكون ذلك مدعاة لاعانتهم.
* السودانيون في رمضان يقفون في الطرق ويقطعون الطريق على المارة واصحاب السيارات في مظهر جميل نال إعجاب الضيوف والأجانب وهذه العادة درج السودانيين عليها في كل رمضان ولم تغيرها الظروف.
* يقول الشيخ الدكتور حسن الترابي في كتابه (الشعائر الدينية وأثرها في الحياة العامة)ان الصيام كتب على المؤمنين في سبيل طبع الحياة بالتقوى متحداً مع سائر الشعائر كفاً عن شهوات الطعام والزوجية وشر الكلام وقتاً متطاولاً منذ الفجر إلى المغيب. وتمتد عواقب الذكر فيه صلة بالقرآن والكلم الطيب إذ تتكثف فيه الصلاة بالتراويح ويعمر تعهد المسجد والاعتكاف. وفي الصيام والجوع سواسية مع الفقراء وهو دافع للصدقة لا سيما زكاة الفطر، وفيه دافع لهجرة عمرة طوعية حجاً إلى متنزل القرآن الذي يقوم الصيام عيداً لنزوله في رمضان.
* والمؤمن الصادق المخلص يتوحد لديه ظاهر الشعيرة وباطنها. أما الذي يتضاءل في قلبه الإيمان بالغيب وتفتنه دواعي الدنيا من هوى النفس ووحي الشيطان لا تبلغ به الكفر الصراح فيهجر الشعائر الدينية فإنها تزين له النفاق يرائي المجتمع يسترضيه بأداء الشعائر عرفاً ظاهراً، لكن الذي يجري على لسانه أو يقع من جوارحه فيها لا يعبر عن ضمير ينطوي على ما يُشعر به رئياً من مراضاة الله، وإنما شعيرة العبادة الحق هي التي تحمل بظاهرها إشعاراً صادقاً لا يلابسه رياء.
* والصلاة هي عماد الدين من أقامها فقد أقام سائر الشعائر لأنها عبادة جامعة تصل بأصول الدين قرآناً يتلى وسنة تتبع وتجمع كل طاقة الإنسان ذكراً قلبياً ولسانياً وحركة بكل الجوارح توجهاً بكل وجوده إلى الله ظاهراً وباطناً. وهي صوم من الطعام ومن لغو الكلام ومعتاده مع الناس وكأنها حج إلى الكعبة تصوباً بالقبلة الظاهرة وإسراء بتوجهات الباطن نحو بيت الله الحرام، توحيداً إلى الله بغير التفات أو إشراك من توجهات الدنيا، بل الصلاة معراج أيضاً إلى الله ترقباً نحو الغيب الأعلى. وهي زكاة مال لأنها إعراض لحينها عن معاملات التجارة ودواعي الكسب، وزكاة روح لأنها إعراض عما يلهي عن الله من مثيرات الهوى. ولذلك وصل القرآن ذكرها بذكر الزكاة عشرات المرات. وكأن المؤمن وهو الذاكر بالصلاة لأوقات مكتوبة ولأوسع منها مندوبة عبر اليوم أو مسنونة في مناسبات شتى عبر الحياة يناوب كذلك الصيام والحج والصدقة مرات عبر يومه.
* الشعائر الدينية تعبيرات بادية لنبضات مشاعر وجدان مؤمن، لكنها تزكّيه ليثمر دوافع خير في كل الحياة وضوابط تقوى من كل شرها. وحتى صورها المسنونة أقوالاً وصلات طيبة بسائر العابدين جماعة في الشعيرة إنما تهدي إلى صور علاقات رشيدة بهم في كل علاقات الحياة وتدرّب مقيم الشعيرة حتى يصبح مغزاها كله خلقاً وطيب قول وفعل في سياق المجتمع.
* اننا في رمضان هذا العام وبلادنا تشهد تغييرا كبيرا وتنافرا سياسيا ازاء الأحداث الأخيرة فإننا أحوج ماتكون إلى تمثل قيم هذا الشهر المبارك في التسامح وتوطئة الاكناف وقبول الآخر وان نعمل على تجاوز هذه المحنة التي تطبق على البلاد ونحولها إلى منحة ونعمة ونتسامى ونتسامح اللهم أجعله شهر خير لأهل السودان واحفظ البلاد والعباد.