لدينا خطط وطنية لإخراج السودان من ورطة قائمة الإرهاب ومأزق الإجراءات الاستثنائية فى مجلس حقوق الإنسان
بعد سقوط النظام الفاسد لابد من خطة لمعالجة قضايا اللاجئين والنازحين
حوار : محمد كامل
مع نشوة انتصار الثورة السودانية التى عمت كافة الإرجاء عكف الكثير من أبناء السودان من ذوى الخبرات والكفاءات على المستوى الدولى على دراسة كيفية ترميم ما دمرته الإنقاذ من جدار السودان المتصدع وإعادة بناء مؤسساتنا الوطنية لتواكب متطلبات الثورة ، (الوطن) التقت بمدينة جنيف السويسرية الخبير الدولى طارق كردى وهو الى جانب سيرته الذاتية المهنية فى الشؤون الدولية كان من أوائل السودانيين الذين ساندوا الثورة منذ بداياتها عبر كتابة وتسليم المذكرات الاحتجاجية لمكتب الأمين العام للأمم المتحدة بجنيف ، التقيناه وادرنا معه الحوار التالي :
اولا نحتاج إلى معرفة السيرة الذاتية للمحاور فهلا تفضلت بالتعريف ؟
انا طارق ابراهيم حسن كردى من مواليد القضارف في العام ١٩٥٩ واعمل كخبير في منظمة الامم المتحده وشغلت منصب رئيس منتدى الامم المتحده للاقليات المعنى بشئون الاقليات في العالم, تحت اشراف مجلس حقوق الانسان, و مقره بجنيف, سويسرا كما عملت طيلة اكثر من ثلاثين عاما مع منظومة الامم المتحده و وكالاتها المتخصصه و قد تشرفت بادارة و رئاسة العديد من بعثات الامم المتحده في مجالات حقوق الانسان و الشئون الإنسانية و السياسية و العلاقات مع الدول المانحة و حماية و مساعدة اللاجئين و النازحين و الحماية الدولية و ادارة الطوارئ و قد سبق وان شغلت منصب رئيس بعثة مفوضية الامم المتحده لشئون اللاجئين في سوريا و العراق و نائب رئيس البعثه في افغانستان و باكستان, و كذلك رئيس ادارة الموارد البشريه في رئاسة المنظمه في جنيف, و كذلك نائب رئيس ادارة الشرق الاوسط و شمال افريقيا برئاسة المنظمه الاممية .
حدثنا عن انطباعاتكم لسودان ما بعد الثورة ؟
اولا دعنا نترحم على أرواح شهداءنا الكرام من شباب السودان الباسل الذين ضحوا بدمائهم الزكية من أجل أن تنتصر الثورة وهاهى الثورة تنتصر فلهم التحية والتجلة والخلود ، وما اريد أن أقوله هو أننا إذ نتنسم عبير الحرية والثورة لابد أن نباشر الان عملا دؤوبا من أجل استعادة الوضع الطبيعى للسودان بين الأمم ، علينا أن نكسب الوقت ونمضى الى الامام وتكريس الطاقات والخبرات السودانية والكفاءات الوطنية لمرحلة البناء والتعمير والإصلاح .
وكيف تنظرون الى البداية حسب تخصصكم فى الشؤون والسياسة الدولية ؟
البداية يجب أن تكون بترميم السياسة الخارجيه للسودان وإعادة تأهيل الديبلوماسيه المهنيه التي وضع اسسها فطاحلة العمل الديبلوماسي امثال محمد احمد المحجوب و منصور خالد و جمال محمد احمد و ابراهيم طه ايوب و غيرهم بعد أن سجلت غيابا تاما معظم فترة الانقاذ اللهم الا من محاولات فردية من بعض جيل السفراء الذين تدرجوا في السلك الديبلوماسي فى عهده الزاهى امثال المرحوم السفير أحمد عبدالوهاب جبارة الله وغيره حيث كانت سياسة التمكين التي اتبعتها حكومة الانقاذ المنحله و المحاصصات السياسية التي تحكمت في تعيين كثير من السفراء من خارج السلك الديبلوماسي من اكبر الكوارث التي حلت على الديبلوماسية السودانية بالاضافه الى اتباع سياسه خارجية للبلاد سيطرت عليها الرؤيه الأيديولوجية لحزب المؤتمر الاصولي و التدخل المباشر لجهاز الامن في صياغة علاقات السودان الخارجية .
هل تعتقد أن السودان يمكن أن يخرج من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد تجميد واشنطن للحوار مع السودان ؟
نعم يمكننا إعادة الحوار والتواصل مع الولايات المتحدة الأميركية وفق أسس جديدة تضع مصلحة السودان اولا ،ومن المهم الاشارة الى أن النظام البائد ادى عبر سياسة دعم الارهاب الدولي و استضافة قادة الارهاب العالمي, امثال اسامه بن لادن و ايمن الظواهري و كارلوس و غيرهم, و منحهم المأوى و الحماية و حرية التنقل في كثير من الاحيان بجوازات سودانيه, ثم اتباع سياسة المحاور المتقلبه التي اتبعها النظام, كل تلك العوامل ادت الى تدمير علاقات السودان الخارجيه .. و بالتالي اصبح السودان دوله فاقده للمصداقية و منبوذة و معزولة تماما عن المجتمع الدولي, ديبلوماسيا و اقتصاديا .. كما وضعت تلك السياسات الرعناء السودان تحت طائلة العقوبات الاقتصاديه الامريكيه رغم أنها رفعت جزئيا مؤخرا الا أننا نحتاج إلى معالجة هذه الإشكالية بصورة نهائية.
لدينا ايضا تحديات عويصة فى مجال حقوق الإنسان كيف يمكن مواجهتها عمليا ؟
نعم ملف حقوق الإنسان ملف مهم وذو علاقة لصيقة بنظرة المجتمع الدولى نحو السودان ولكننا ايضا كشعب سودانى علينا إعلام المجتمع الدولى بأننا كنا ضحايا النظام القمعى البائد الذى تبنى سياسات داخلية قائمه على الاقصاء و القمع و الاضطهاد و التعذيب و غرقت البلاد في حروب داخلية قتل فيها الالاف و تشرد الملايين و حرقت عشرات مئات القرى و اهدرت جل موارد البلاد و اصبح السودان من اكبر الدول المصدره للاجئين و النازحين في العالم .. و بسبب تلك السياسات الخرقاء اصبح سجل السودان لحقوق الانسان هو الاسوأ في تاريخه .. و بالتالي عانت البلاد من عدة قرارات لمجلس الامن الدولي بعضها تحت البند السابع لميثاق الامم المتحده و ادرج اسم السودان ضمن قائمة وزارة الخارجية الامريكيه للدول الراعيه للارهاب, و تم وضعه تحت طائلة العقوبات الاقتصاديه الامريكيه و اصبح السودان تحت حصار اقتصادي خانق و حرم من دعم الدول المانحه و مؤسسات التنميه و التمويل الدوليه و المنظمات العالميه و حرم من ولوج منظمة التجارة العالمية و فقد مئات ملايين الدولارات من المنح التي كان يستحقها ، كل هذه الانتهاكات ارتكبها النظام فى حق الشعب وحق البلد وعلينا أن نؤكد للعالم بأن كل ذلك انتهى وسنبدأ صفحة جديدة .
ولكن المجتمع الدولى يرهن التعاون مع السودان بقيام حكومة مدنية ؟
نعم ، يجب على الحكومه المدنيه في الفتره الانتقاليه تكوين فريق عمل من كبار السفراء الاكفاء المعاشيين, و هم كثر, للشروع الفوري في مراجعه شامله للسلك الديبلوماسي السوداني, و اجراء اصلاحات حقيقية لسياسات السودان الخارجية و لعلاقاته الدولية بطريقه متوازنه تراعي مصالح السودان الاستراتيجيه و تحافظ على المصالح المشتركه مع الدول الشقيقة و الصديقه و بالذات دول الجوار اللصيق وعلى رأسها دولة جنوب السودان التى تجمعنا بها علاقات أزلية ومصالح مشتركة جوهرية كما يجب علينا إعادة المياه إلى مجاريها مع الجارة اريتريا ودعم المزيد من الانفتاح مع اثيوبيا وتشاد وجمهورية مصر و تطوير تلك العلاقات و البعد عن سياسة المحاور و الالتزام الكامل بالمواثيق و المعاهدات الدوليه و الاقليميه و الثنائيه, و الاحترام الكامل لحقوق الانسان .
برأيك ماهى اهم الملفات العاجله ذات الاهميه القصوى ؟
اولا ملف حقوق الانسان ، فقد ظل ملف حقوق الانسان في السودان الاسوأ على الاطلاق منذ انقلاب الانقاذ في العام ١٩٨٩, و ظل السودان يقبع في ذيل القائمه بالنسبه لاحترام حقوق الانسان و يتأرجح بين البند السابع و البند العاشر و ووصاية الخبير المستقل المعنى باوضاع حقوق الانسان مما اثر على علاقات السودان الخارجية بصوره لم يحدث لها مثيل في تاريخ السودان و ادخل البلاد تحت سيف العقوبات الاقتصاديه و قائمة الدول التي ترعى الارهاب ..
هذا الملف يحتاج لعمل دؤوب مع المجتمع الدولي مدعوما بسياسات داخليه حكيمه و انهاء الحروب الداخليه و الاحترام الكامل لحقوق الانسان و انشاء دوله مدنيه لا يقصي فيها احد لانتماءاته السياسية او الدينية او الأيديولوجية او الاثنية و خلق مناخ ديموقراطي للتبادل السلمي للسلطه, لبناء الثقه مع المجتمع الدولي و العمل على اخراج السودان من دوامة الدولة المنبوذه من المجتمع الدولي ، ثانيا علينا الاهتمام بملف منظمة التجاره الخارجيه
فالسودان من الدول القليلة جدا التي فشلت في ولوج منظمة التجاره العالميه و مقرها جنيف, مما حرم السودان من انشاء علاقات تجاريه واسعه و الاستفاده من المعاملات التجاريه التفضيليه التي تقدمها قوانين المنظمه, و استثمارات الدول الاعضاء التي يمكن ان تدر على البلاد منافع اقتصاديه كبيره تساهم في دعم الاقتصاد الوطني المنهار ، ثالثا ملف عودة اللاجئين و النازحين و اسكانهم حيث يعتبر السودان من اكبر الدول المصدره للاجئين في العالم, و يحوي اكبر عدد من النازحين داخليا, حيث تقدر تقارير الامم المتحده عدد اللاجئين السودانيين في دول الجوار بأكثر من نصف مليون لاجئ سوداني, و عدد النازحين داخليا باكثر من اثنين مليون نازح, نتيجة للحروب العبثية التي قام بها النظام البائد ضد ابناء شعبه ، هذا بالاضافه لحوالي مليون لاجئ اجنبي بالسودان .
بصفتكم كنتم ممثل المفوض السامي للاجئين بعدد من مناطق الصراع فى العالم ماذا تنصح من خطوات لمعالجة ملف اللاجئين ؟
بعد سقوط النظام البائد اصبحت الارضية خصبة للعمل على وضع استراتيجيه لعودة اللاجئين و النازحين طوعيا لمناطق سكناهم الاصلية و هذا يتطلب بالضروره تعبئة و تحريك المجتمع الدولي للقيام بدوره في توفير التمويل اللازم للعوده الطوعيه للاجئين و النازحين, و اعادة البناء و الاعمار للقري و المدن التي تأثرت بالحرب, و اعادة الادماج في مجتمعاتهم و التعويض المجزي للمعاناة التي مروا بها و اعادة التأهيل .
هل ترون أن ملف الهجره غير الشرعية يندرج تحت إطار السياسة الخارجية ؟
بالتأكيد هذا من اهم الملفات لدى دول الاتحاد الاوروبي و اصبح يمثل تيرموميتر العلاقات بين الدول الأوروبية و الدول الاخرى في مدى التزامها بمحاربة الهجرات غير الشرعيه .. و بما ان السودان يعتبر من اهم المعابر transit للهجرات غير الشرعية من بعض الدول الأفريقية الى الدول الأوروبية, يجب على الديبلوماسية السودانية فى ثوبها الجديد التنسيق الكامل مع منظمة الهجرة الدولية و دول الاتحاد الاوروبي بخصوص هذا الملف الحساس .
من الملاحظ أيضا أن منظمة الصحة العالمية وبسبب من النظام البائد أوقفت عدد من أنشطتها بالسودان فكيف يمكن إعادة الثقة ؟
بالطبع فى عهد النظام المخلوع شهد قطاع الصحه في السودان تدهورا مريعا في العهد البائد و هذا الملف يحتاج الى دعم تقني و مادي كبير من منظمة الصحه العالميه و منظمات التمويل الدولي , بالتنسيق الكامل مع وزارة الصحه هذا بالضافه لملفات اخرى كثيره ذات أهمية مثل رعاية الطفولة و الامومه و صحة الطفل, و التعليم, و الاتصالات و العمل و غيرها وكل تلك الملفات تخلف فيها السودان كثيرا خلال الثلاثه عقود الماضيه نتيجة لانعدام الثقه بين السودان و المجتمع الدولي و لكن مع التغيير الكبير الذي حدث الان باقتلاع النظام البائد اصبحت الفرصة متاحه لتلعب الديبلوماسية السودانيه دورا محوريا يعود من خلاله السودان عضوا فاعلا و نشطا في المجتمع الدولي .
خاتمة :
ونحن إذ نقدم هذا الحوار مع احد أبناء السودان المؤهلين على المستوى الدولى فى مجال السياسة الدولية ومؤسسات المجتمع الدولى رفيعة المستوى إنما نساهم عبر الرأى العام فى رفد الساحة بالمزيد من الكفاءات الحقيقية التى يحتاج إليها السودان فى فترة ما بعد الثورة ، قدم السيد طارق كردي كل مهاراته في المجال الديبلوماسي و العلاقات الخارجية و في الشئون الإنسانية و في مجال حقوق الانسان من خلال نظرته الثاقبه و افكاره التحليليه المتميزه وكان قد بدأ مسيرته العمليه كموظف دولي في الامم المتحده في العام ١٩٨٤ وتقلد العديد من الوظائف الادارية و الديبلوماسية في اكثر من 10 بعثات تابعه لمفوضية الامم المتحده لشئون اللاجئين في بلدان مختلفة حول العالم مثل الصومال و كينيا و سيراليون و العراق و يوغندا و زيمبابوي و غانا و باكستان و افغانستان و سوريا كما ترأس العديد من المناصب العليا في ادارة اسيا و الباسيفيك و ادارة الشرق الاوسط و ادارة افريقيا, في رئاسة المنظمه في جنيف, سويسرا ونال العديد من الجوائز منها على سبيل المثال لا الحصر درع الامم المتحدة تقديرا لعشرين عام من الخدمات المميزة في مجال حماية ومساعدة اللاجئين و النازحين ، الدبوس الذهبي تقديرا لخمسه و عشرين عاما من المساهمة الفعالة في مجال العلاقات الخارجية للمنظمة الدولية ، جائزة التميز لأفضل رئيس بعثة لمفوضية الامم المتحدة للاجئين .