السبت، 9 فبراير 2019

تقرير:قانون النظام العام.. في انتظار تحرير شهادة الوفاة

كان حتى وقت قريب يعتبر قانون النظام الذي تقوم بتنفيذه شرطة أمن المجتمع من القضايا غير القابلة للنقاش، سيما وأن القانون جاء تماشياً مع سياسة  التأصيل ، وأسلمة المجتمع وضبط الشارع العام ، ومنع التفسخ الأخلاقي ، والزي الفاضح والممارسات السالبة ؛ في إطارها العريض.  حيث تمت إجازة القانون ضبط منظومة القوانين الإسلامية التي جاءت بها حكومة الإنقاذ منذ مطلع التسعينات، ووجه القانون بحملات شرسة من الناشطين والناشطات ، وبعض أحزاب اليسار وطالبت جهات خارجية على رأسها  الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية ومنظمات دولية في مناسبات عديدة لإلغاء القانون،  لكونه يقيد الحريات الشخصية ؛ حسبما يرون في وقت كان يتمترس الإسلاميون في الدفاع عن القانون و يصفون الدعوة لإلغائه بأنها تنطلق من أجندة تستهدف إشاعة الانحلال والانحراف السلوكي في المجتمع، الجديد هذه المرة هجوم الإسلاميين أنفسهم على القانون وبدأ ذلك من المؤتمر الشعبي في وقت سابق، تبعه توجيه المكتب القيادي للمؤتمر الوطني الذي وجه قبل أسبوعين في جلسة خصصها لقضايا الشباب وجه بمراجعة قانون النظام، قبل أن يعود الرئيس البشير بنفسه رأس اجتماع المكتب القيادي ليهاجم القانون من جديد ووصف تطبيقه بأنه مخالف للشريعة الإسلامية،  ليكون بذلك هو الهجوم الأقوى والأول من نوعه في مواجهة قانون عمل به لسنوات وأجمع على تغييره الحكام المشرعين له والمعارضين المناوئين.
إقرار
أقر الرئيس عمر البشير بأن قانون النظام العام المثير للجدل والوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد أثارا الغضب في صفوف الشباب الذين خرجوا في تظاهرات تُطالبه بالتنحي عن السلطة، وقال البشير  لصحافيّين ورؤساء تحرير ، وقادة أجهزة إعلامية في لقاء تنويري معهم مساء الأربعاء  بالخرطوم، إنّ "الذين خرجوا إلى الشوارع شباب، وغالبيّتهم فتيات". وأضاف أنّ قانون النظام العام هو "واحد من أسباب تفجّر غضب الشباب". واعتبر الرئيس البشير تطبيق القانون به أخطاء ويخالف حتى الشريعة الإسلامية وأشار البشير إلى أنّ الأوضاع الاقتصاديّة عموماً، بما في ذلك التضخّم المرتفع، تُشكّل أيضاً سبباً في اندلاع الاحتجاجات. وقال: "إنّ الشباب طموحاتهم أعلى من الواقع، إضافة لقلّة الوظائف في القطاعين العام والخاص".
مسؤلية
وحمّل البشير مجدّداً الولايات المتحدة مسؤولية المشاكل الاقتصاديّة التي تُعانيها بلاده. وقال: »منذ عام 1993 ونحن في قائمة الدول الراعية للإرهاب، على رغم أنّ تقارير سي آي ايه منذ عام 2001 تقول إن السودان لا يأوي ولا يدعم مجموعات إرهابيّة".وأضاف: "ولكنّنا ظللنا في القائمة، وهذا حرمنا من الحصول على تمويل من البنك الدولي وصندوق النقد ومؤسّسات التمويل الدوليّة".
استهداف النساء
ويقول نشطاء إنّ القانون المعمول به منذ عشرات السنين يستهدف بالدّرجة الأولى النساء اللواتي غالباً ما يُتّهمن بـ"ارتداء ملابس غير لائقة وبسلوك غير أخلاقي". وتُفرض عقوبات شديدة، بما في ذلك الغرامات والسجن، على النساء اللواتي تُثبَت إدانتهنّ بموجب القانون.
كما يضيف  الناشطين إنّه بموجب القانون، يُمكن لأيّ تجمّع لنساء ورجال سودانيّين، سواء في الأماكن العامّة أو الخاصّة، أن يشكّل هدفاً للشرطة باتهامه انه تم بغير ترخيص أو اتهامات بتجاوزات أخلاقية.
توجيه
ووجه المكتب القيادي للمؤتمر الوطني برئاسة رئيس الجمهورية ورئيس الحزب  عمر البشير ، بمراجعة قانون النظام العام وإجراء المعالجات المطلوبة في إطار الخدمة الوطنية حتى تسهل على الشباب كسب الزمن والالتحاق بالأعمال المطلوبة، وأضاف  مساعد الرئيس نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون الحزبية فيصل حسن إبراهيم  إن الاجتماع ناقش استراتيجية الشباب للفترة من 2019 ـ 2024 والمعالجات المطلوبة وتحليل الواقع الشبابي واقتراح المعالجات.
وأشار إلى أن قضية البطالة واحدة من القضايا الأساسية التي تهم الشباب بجانب التدريب وبناء القدرات وكذلك توسيع مظلات النشاط الثقافي والاجتماعي والرياضي والعمل الطوعي وهي منصات مهمة للشباب لإتاحة الفرصة لاستيعاب طاقاتهم.
قضايا الشباب
وأوضح فيصل  أن هناك الكثير من الموجهات المتمثلة في خلق فرص للشباب ليس فقط في القطاع العام ولكن في القطاع الخاص بالاستفادة من التمويل الأصغر والاشتراطات المطلوبة لتيسير ذلك، وكشف عن توصية للمكتب القيادي بإقامة مؤتمر قومي لقضايا الشباب يناقش قضاياهم بكافة فئاتهم واتجاهاتهم.
تعديل
وفي السياق كشف وزير العدل عن تكوين لجنة بالوزارة لمراجعة وتعديل قانون النظام المثير للجدل، بعد أن تبدت مساوئ القانون من خلال الممارسة.
وقال سالم  إن تكوين لجنة مراجعة القانون وتعديله سبقت الانتقادات التي وجهها الرئيس للقانون أثناء لقائه بأعضاء حزبه من الشباب الأسبوع الماضي.وأن التعديل جاء في إطار مراجعة وتعديل بعض القوانين ،وإن لجنة أخرى ستبدأ مراجعة قانون التحلل وذلك في سياق مكافحة الفساد.
خطوة مطلوبة
المحلل السياسي والأكاديمي الدكتور عادل التيجاني قال إن خطوة مراجعة قانون النظام العام وتعديله مطلوبة لجهة أن القانون غير متفق عليه وتعرض لانتقادات واسعة فضلاً عن أن مواده فضفاضة  ولايحمل  تفاصيل واضحة ، ما يجعل كثيرين يقعون تحت طائلة شبهاته ؛ وأكد التيجاني أن الخطوة وإن تأخرت إلا إنها ضرورية. وأضاف في حديثه للوطن إنه  يجب أن يعكف خبراء القانون والتشريع من كل ألوان الطيف السياسي على المراجعة والتعديل.
قانون سياسي
وقال القيادي  في المؤتمر الشعبي المحامي كمال عمر عبد السلام في حديثه  إن قانون النظام العام هو قانون سياسي من الدرجة الأولى ، وإن تطبيقه مخالف للدستور، وظلت الحكومة تستخدمه ضد منافسيها السياسيين ، طيلة الفترة الماضية بيد أنه بعد تظاهرات الشباب التي انطلقت منذ التاسع عشر من شهر ديسمبر في العام الماضي بدأت الحكومة مرغمة على  تعديل القانون واستطرد عمر بأن  طموحات الشباب أصبحت كبيرة حتى لو تم إلغاء القانون نهائياً .
تلميح قوش
وحسب إفادات نشرت  الشهر المنصرم لمدير عام  جهاز الأمن الوطني والمخابرات الوطني الفريق أول أمن  صلاح عبد الله قوش انتقد فيها إغلاق شارع النيل وإغلاق محلات الشيشة والمقاهي  في وجه الشباب .وعد ذلك واحداً من الأسباب التي دفعت الشباب للمشاركة في الاحتجاجات التي شهدتها الخرطوم وأربع من الولايات ، وأطلقوا عليها ثورة ديسمبر.
عودة بائعات الشاي
وفي الأسبوع الماضي  أصدرت محلية الخرطوم أمراً محلياً  عادت بموجبه بائعات الشاي للعمل مجدداً في شارع النيل بعد توقف دام قرابة العام وكانت بائعات الشاي بذات الشارع والأماكن المختلفة عرضة لقانون النظام العام والمحاكمات والمنع.
مطالبة  أمريكية
وكانت الحكومة الأمريكية قد أشارت وطالبت أكثر من مرة بإلغاء قانون النظام العام وإجراء  تعديل بعض القوانين المثيرة للجدل مثل الحريات الدينية، قانون النظام العام وآخر المطالبات الأمريكية كانت في الرؤية التي  قدمها  نائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان مؤخراً خلال زيارته للخرطوم والتقى رجال دين مسيحيين وعلماء مسلمين وطالب  بإلغاء مواد من القوانين ذات الطبيعة الدينية وتتصل بعقوبات الردة و الحريات الدينية والزي الفاضح.
موقف سابق للشعبي
 حزب المؤتمر الشعبي كان له  موقف سابق رافض للقانون، وقال الأمين السياسي للحزب الأمين عبد الرزاق في مؤتمر صحفي، في وقت سابق  إن حزبه من قبل دفع بذات المقترحات والتي صاغها الأمين العام السابق الراحل الشيخ  د. حسن الترابي بيد أن أعضاء الحوار الوطني قاموا بإسقاطها، وقال لذا  نحن على توافق تام مع الموقف الرافض للقانون ونرى ضرورة إلغائه.
مراجعة التطبيق
ويرى الدكتور محمد عبد الكريم الأستاذ الجامعي والمهتم بالقضايا الإسلامية إنه لا داعي لإلغاء القانون ويمكن مراجعة بعض المواد إنْ رأى القانونيون بتعارضها مع قوانين أخرى،  أو عدم وضوحها . وأضاف عبد الكريم إن الحكومة بهذه الخطوات تحاول إرضاء واستمالة الشباب بعد الاحتجاجات الأخيرة؛  ولكن إلغاء القانون غير مقبول ونتائجه أسوأ من أي ترضية ذات صبغة سياسية ولفت عبد الكريم إلى أن القانون حارس للقيم ويمنع الانفلات الأخلاقي ، ودعا لمراجعة التطبيق وتدريب الكوادر الشرطية المنفذة له لا إلغائه بالمرة لما في ذلك من ضرر حسبما ذكر.
مجتمع ملتزم
بينما ترى عضو المؤتمر الوطني الاستاذة الجامعية نادية عبد الباقي من زاوية أخرى مغايرة لرأي دكتور عبد الكريم  أن لا حاجة للقانون ؛ وطالبت رئاسةالجمهورية بالغاء قانون النظام العام،  وقالت إن المجتمع السوداني لا يحتاجه ووصفته
 باكثر المجتمعات التزاماً  وتمسكاً بالقيم والمبادي، مشيرة إلى أن الشارع العام يخلو من الأزياء الفاضحة والممارسات غير الأخلاقية مبينة إن المرأة رغم تأثرها بالظروف الاقتصادية الأخيرة إلا إنها ظلت مدرسة تخرج الأجيال السليمة والطيبة والقوية ؛ وتمثل السودان في المحافل الدولية . وقالت إن حزبها اهتم بالمرأة ومنحها حقها في السلطة التشريعية والتنفيدية خاصة في حكومة الوفاق الوطني الحالية ، واهتم بالشابات والشباب ومنحهم المقاعد المتقدمة من باب تواصل الأجيال وهو ما فشلت فيه الأحزاب الأخرى وقالت إن جزءاً  من حل الضائقة الاقتصادية يتمثل في مزيد من فرص التمويل والاستمثار بصيغ بسيطة تفيد الجيل الجديد الذكي .
خلفية القانون
صدر قانون النظام بولاية الخرطوم بتاريخ الثامن والعشرين من مارس في العام 1996م بتوقيع والي الخرطوم الأسبق بدر الدين طه،حسب المرسوم الدستوري الحادي عشر لسنة 1996م، بيد أن المادة التي تختلط على كثير من الناس هي المادة (152/1) من القانون الجنائي لسنة 1991م والتي كلفت شرطة أمن المجتمع بتطبيقها وهي المسؤولة عن لبس المرأة وتحديده إن كان فاضحاً أم لا .
وقانون النظام لولاية الخرطوم يتضمن سبعة فصول وست وعشرين مادة ، خصص الفصل الأول لإحكام تمهيدية والتعريفات والتفسيرات ومكان سريان القانون، وتناولت بقية فصوله المادة (5) التي تقول إنه  لا يجوز إقامة الحفلات الغنائية بدون ترخيص ، وعدم السماح بالرقص المختلط بين النساء والرجال، وضوابط استخدام المركبات العامة،  وتنظيم أماكن تصفيف الشعر. والفصل السابع ، والأخير ينص على العقوبات وهي السجن بما لا يزيد عن خمسة أعوام والغرامة أو العقوبتين معاً .
مصير
مهما يكن من أمر إن كان بالإلغاء أو التعديل فإن قانون النظام العام بشكله القديم  ووفقاً المعطيات الراهنة فإنه ينتظر تحرير شهادة الوفاة. خصوصاً بعد الهجوم من أعلى هرم السلطة ، واماطة وزارة العدل اللثام عن تشكيل لجنة قانونية شرعت رسمياً  في مراجعة القانون.