شكونا مراراً وتكراراً وبحّت أصواتنا ... أغيثونا
كارثة سكان منطقة العشرة تم فيها النظر إلى «نصف الكوب»
مواطنة : والله غلبنا حيلة في هذا الموضوع ... لا ندري إلى من نشكو «قعاد البيوت مسخ علينا»
مياه الشرب أصبحت غير صالحة جراء انبعاث الروائح منها .. أطفالنا أصابهم الربو و نطالب الجهات المعنية بالعمل على تخليصنا من هذا الهم
أحياناً تضعك الظروف في موقف لا تحسد عليه وأحياناً أخرى تضعك في موقف تحسد عليه وفي أحايين كثيرة لا تضعك في أي موقف ... بل تجرفك معها كقطعة طافية فوق الزبد تتقاذفك الأنواء وتبحر بك إلى المجهول ... ولو أن الأمور تسير على وتيرة واحدة لا مكن التعامل معها بنمط سلوكي ثابت لكنها تتقلب مثل طقس هذا البلد ...
هكذا إفتتح عبد الغني خلف الله الربيع فصل رحلة في قاع المدينة من رواية القافلة التي تسير بنا من القاع الذي يعج بالأحداث إلى الأطراف، ففي الجنوب الشرقي من مباني جامعة أم درمان الإسلامية وعلى مرمى حجر منها تقع منطقة العشرة مربع (1) التي تعاني منذ فترة طويلة من كارثة صحية وبيئية فعبثاً يحاول سكانها إيصال أصواتهم للمسؤولين، وإقناعهم للإلتفات إلى (حيهم) المهمل دون فائدة، بعد أن أصبح البحث عن أولى أبجديات الخدمات المتعارف عليها همهم الأول ، سيما أنهم لا يسعون إلى رفاهية ، بل يطمعون في البسيط الذي يشعرهم بآدميتهم المفقودة بعد أن قامت الجامعة بالترخيص لعدد من باحثيها إقامة مشروع للسماد الطبيعي بمحاذاة مساكن الحي ، فأحالت عافيتهم مرضاً، وحرمتهم من نعمة الهواء النقي.
* لا ضرر ولا ضرار :
تؤكد المبادئ التي على أساسها تقوم أية مؤسسة تعليمية أو بحثية على الدور التنموي والنهضوي الذي تلعبه والفوائد التي تعود بالنفع على المجتمعات المحيطة بها من خلال المسئولية المجتمعية التي تقع على عاتقها ولعل أهم ما يميز هذه العلاقة التكاملية القاعدة الفقهية التي تقول : ( لا ضرر ولا ضرار) لكن يبدو أن كارثة سكان منطقة العشرة تم فيها النظر إلى (نصف الكوب)، حيث قام أحد أساتذة وباحثي جامعة أم درمان الإسلامية بإعداد مشروع بحثي لتخمير روث ومخلفات الدواجن لإستخلاص سماد عضوي طبيعي يستفاد منه للأغراض الزراعية بصورة بدائية تتمثل في جمع الروث والمخلفات من حظائر الدواجن التابعة لنفس الجامعة وتقع محاذية للمنطقة و وضعها في أحواض وصب المياه عليها بكميات كبيرة وتركها لتتعفن وتنثر روائحها الكريهة إلى حيث أوصلتها الرياح فضلاً عن تقديم دعوة مفتوحة لأطنان من أسراب البعوض والذباب كي ترتع وتمرح كيفما شاء لها... فهل كان من الممكن تفادي ماحدث أم انها سخرية الأقدار تطوف في هذه الناحية تارة وتارة ؟
* أدراج الرياح :
بضع خطوات هي تلك التي تفصل منزل المواطن مجاهد السر (اعمال حرة)، من مشروع الجامعة ، الذي أنشئ بالقرب من منزله، فالرجل بدأ لنا وكأن أعماراً أضيفت إلى عمره بعد أن أعياه التفكير في محاربة هذا المشروع وإزالته، خاصة أن الرائحة النتنة تمتلئ بها باحات منازلهم وصدورهم وتزكم أنوفهم ، يقول مجاهد لـ(الوطن)، أنا أعتبر من قدامى ساكني هذا الحي، فكيف للجامعة أن تقوم بالتصديق والموافقة على إقامة مشروع كهذا بجوار المنازل، ويضيف: اشتكينا مراراً وتكراراً وبحّت أصواتنا ولكن لا حياة لمن تنادي، فكل محاولاتنا ذهبت أدراج الرياح.
* ليست حكاية للنشر أو التسلية :
وضاح عبد الرحمن أحمد محمد - مواطن بالعشرة يقول : المسألة أكبر من مجرد حكاية نحكيها للنشر أو التسلية ثم ينتهي الموضوع نحن في خطر عظيم وحياتنا الصحية معرضة للخطر والتلف وما يشهده سكان المنطقة البسطاء كارثة حقيقية ومعاناة لا توصف، وإذا ما حاولت أن أقول لك شيئاً من الحقيقة أذكر هنا حجم القلق الذي ينتاب أهل الحي والخوف على صحة أبنائهم وسلامتهم..
.. أرسل وضاح آهة طويلة أردفها بزفرة حارة لفحت وجهي بلهيبها وهو يهمهم الحياة في المنطقة أصبحت جحيماً لا يطاق ونعاني من الروائح الكريهة وإنتشار البعوض والذباب بصورة مزعجة وهناك بعض الحالات الصحية الحرجة في المنطقة أصيبت بأمراض صدرية وقلبية (الربو) و(الجيوب الأنفية ) والحساسيات الجلدية لذلك نناشد السلطات بالمحلية التدخل السريع وحل هذه المشكلة.
* العض على الجرح :
المواطن محمد علي- اعمال حرة - يقول : نحن أمام تحدي لا يحتمل التأخير وكارثة حقيقية تحتاج إلى تدخل عاجل ولم نترك فرصة للشكوى من علل هذا المشروع على رئاتنا وبيئتنا إلا وطرقنا بابها والبعض دفعهم هذا الموضوع إلى هجر المنطقة إلى غيرها من المناطق ، اما نحن فما زلنا نعض على الجرح ونصبر ونشكو عسى أن تنفع الشكوى.
* المشروع واجهة غير حضارية :
الأستاذة أحلام محمد إدريس - معلمة تقول :
نعاني في منطقة العشرة منذ فترة بعيدة من هذا المشروع ، فقد أصبح يمثل لنا كارثة بيئية وصحية كبيرة وتضرر منه سكان المنطقة ويمثل المشروع واجهة غير حضارية ولا إنسانية للحي ، فمنذ الدخول إلى الحي تقابلك الروائح النتنة وأسراب البعوض، وسبق أن ناشدنا السلطات المحلية بهذا الأمر لكن لا حياة لمن تنادي فلجأنا إلى الاعلام كي نضع المسئولين في الصورة ونتوقع زيارة ميدانية لأحدهم كي يقف ميدانياً على حجم ما نعانيه بشكل مستمر.
أرجو أن يبلغ صوتنا آذان المسئولين..
* الوضع لا يطاق :
تهاني أحمد - ربة منزل
قالت وهي تتنهد : ( والله غلبنا الحيلة في هذا الموضوع) ولا ندري إلى من نشكو مظلمتنا وتضررنا وتواصل (قعاد البيوت مسخ علينا) خاصة في الفترة المسائية فالوضع لا يطاق وكأننا نسكن داخل بئر للصرف الصحي أو في حظيرة دواجن نتنة وضعنا لا يوصف وظللنا نعاني ولا أحداً يسمع ولم نر اي مسئول كلف نفسه بالحضور إلى منطقتنا وسماع شكوانا أدركوا حجم الخطر الذي يحيط بنا أيها السادة فأطفالنا وعجزتنا يعانون الأزمات الصدرية والحساسيات.
* تهكم على السكان :
العميد (م) محمد أحمد من سكان منطقة العشرة على بعد 10 أمتار فقط تقريباً من مشروع الجامعة يفصل بيوتهم سور بسيط خلفه تكمن الكارثه يقول : تعاني المنطقة بشدة من قيام هذا المشروع المضر بالبيئة وصحة الإنسان والحيوان وسبق لسكان الحي أن ناشدوا السلطات لكن أصواتهم بحت وذهب بعضهم إلى إدارة الجامعة، مطالبين بإيقاف هذا المشروع و وعدتهم إدارة الجامعة بالعمل على إيقاف العمل بالمشروع لكن شيئاً لم يكن لقرابة الستة أشهر ويزيد الأمر الذي جعل البعض يحبط و يحمل في طياته عدم تقدير للمعاناة التي يعيشها أهل الحي من جراء إفرازات هذا المشروع المضر بالصحة الانسانية ، أنا أدعو عبركم كل مسئول عن هذا الملف صاحب ضمير حي أن يجعل هذا الأمر نصب عينيه ويعمل على حله فوراً.
* جريمة في حق الانسانية :
آسيا الأمين - ربة منزل تقول :
مع بداية فجر كل يوم ، وفي كثير من الأحيان قبل ذلك ، نباشر يومنا بكارثة بيئية وصحية وجريمة في حق الانسانية فأطفالنا أصابهم الربو ولا نملك إلا أن نطالب الجهات المعنية بالعمل على أن تخلصنا من هذا الهم المزعج الذي يقتحم البيوت، ويهدد الصحة العامة وخصوصاً الأطفال.
وأيدها في ذلك جارها المواطن عماد أحمد ضو البيت قائلاً : إن المنطقة كلها مشكلات بسبب هذا المشروع وعمله الذي يسبب الأمراض للسكان، وتابع: لقد أثرت الروائح الكريهة المنبعثة علينا سلباً، فأطفالنا يعانون من مرض الربو كما أضاف أن بعض السكان تقدموا بشكاوى إلى الجامعة والمحلية والمسؤولين يشرحون فيها معاناتهم الناجمة عن عمل هذا المشروع الذي يحرمنا الراحة والنوم وتنفس الهواء النقي، لافتاً إلى أن القائمين على أمر المشروع لم يستجبوا لشكوانا، الأمر الذي يزيد معاناتنا تعقيداً وصعوبة.
وأضاف: أن وجود المشروع في المنطقة، مزعج ومضر بالصحة والبيئة، ويسبب الأذى للسكان.
ولفتت المواطنة آسيا الأمين إلى أن أضرار المشروع كثيرة، فابنتي مصابة بحساسية الصدر والجيوب الأنفية من شدة الرائحة الكريهة ولدينا تقارير طبية تثبت ذلك ، والمشكلــة قائمـة في كل بيت، ونحن لا بيوت لنا غير هذه البيـوت، ولو كان لنا مكاناً آخر لذهبنا إليه وتركنـا هذه البيوت لأصحــاب المشروع أو للجهـات المسؤولة التي لا تسمعنا، فقد تعبنــا من كثرة الكلام مع المسؤولين من غير فائدة.
وطالبت آسيا بالعمل على توفير حل جذري للمشكلة، وكخطوة أولى على الأقل، طالبت بتجفيف المياة الآثنة ، لا أن تترك الأمور على عواهنها، وأن يوفروا بعض الحلول الوقتية في سبيل الحفاظ على صحة المواطن التي يجب أن تكون في مقدمة أي شيء.
* عاتق عدة جهات :
وأوضح المواطن محمد حسين بدوي أن مسؤولية عمل هذا المشروع تقع على عاتق عدة جهات منها وزارة البيئة والجامعة والمحلية والدوائر الصحية، ولكن بنسب متفاوتة، وإن كانت النسبة الأكبر تقع على وزارة البيئة التي يجب أن يكون لها الجانب الأكبر من تحمل مسؤولية التصدي لمعالجة هذه الكارثة ، من حيث سن القوانين ومنح الوقت لأصحاب المشروع لتصحيح أوضاعهم بالشكل الذي يفيد المجتمع ككل.
* حلاً حقيقياً ونهائياً :
وقال المواطن ميرغني زكريا إن معاناتنا كبيرة ونشعر بالحرج من كثرة ما تحدثنا مع المسؤولين، ولكن لا أحداً يستجيب، والمشكلة الكبرى أن هذا المشروع تسبب لنا في مشكلات على الصعيد الصحي والبيئي ، ونريد حلاً حقيقياً ونهائياً لهذه المعاناة، فالرائحة لا تحتمل، وإزعاج البعوض مستمر، وانتشار الأمراض مقلق جداً.
* تقاسم الوجع :
المواطنة سيدة معاوية - ربة منزل، لا تقل معاناتها عن معاناة السيد مجاهد في شيء، وربما كان هو أفضل منها، سيما أنها تعجز -بحد قولها-، من (تنويم) أبنائها في (الحوش) مخافة استنشاقهما الرائحة الكريهة، وجزمت بأن معاناتها في حالة انقطاع التيار الكهربائي تتضاعف لأنه يصبح عليها العمل على (تهويتهم تقليدياً) حتى عودة التيار مرة أخرى، تناصفت نجلاء سعيد (ربة منزل)، الحديث مع جارتها سيدة، فكلتاهما تتقاسمان (الوجعة)، وتشربان من ذات الكأس، فـ (نجلاء) يعاني جميع أبنائها من السعال والنزلات بفعل استنشاقهم للرائحة الناتجة عن المشروع تحديداً، وقبل التصديق لهذا المشروع، تقول: كنا بكامل عافيتنا، وبمجرد إنشائه عرف المرض طريقه إلينا، ورغم أننا كثيراً ما سعينا إلى إزالته بواسطة الطرق الرسمية، إلا أن الدولة لم تلقِ لنا بالاً ولمعاناتنا، ولا ندري ماذا نفعل.
* مشاكل صحية
مشاكل صحية متعلقة بالجهاز التنفسي بدأت تنتاب المواطنة الحاجة فاطمة (ربة منزل) في الآونة الأخيرة، أرجعتها بدورها إلى الأجواء غير الصالحة التي يعيشها الحي جراء انبعاث هذه الرائحة، تقول فاطمة: الأمر فاق حد الاحتمال في ظل الرائحة الكريهة، فقد أحال أجسادنا إلى خرابات.
* مياه الشرب ملوثة :
أمير عبد الرحمن - موظف بإحدى البنوك : فضلاً عن الرائحة الكريهة التي يفرزها المشروع هناك كارثة أخري متعلقة بمياه الشرب التي بدأت تتغير في لونها وأصبحت رائحتها نتنة الأمر الذي يجعلنا نستنتج أن المشروع وصلت اثاره السالبة إلى المياه الجوفية فمياه الشرب أصبحت غير صالحة جراء انبعاث الروائح.
* المجهودات المبذولة :
وحول المجهودات المبذولة لرفع الضرر عن المنطقة، أشار محدثنا وفضل حجب إسمه إلى أنهم لا زالوا يسعون للفت انتباه المسؤولين إليهم، وتفادي الآثار الصحية السالبة الناتجة عن التلوث البيئي للمنطقة، سيما أن أغلب الأمراض التي تسيطر على المواطنين صدرية.
يقول باشري حمد - صاحب متجر
: هذا المشروع حرمني من نعمة النوم أمام متجري في الهواء الطلق ورغم سعينا الحثيث وراء المسؤولين إلا أن الأمر يسير نحو الأسوأ، ولا أحداً يحس بالخطر المحدق بنا ، وأضاف: هناك اهمال تام للمنطقة، لا توجد تنمية متوازنة مقارنة ببقية المناطق المجاورة ولا ندري ما هي الأسباب، فهل أرواحنا أصبحت رخيصة لهذا الحد، وهل المصانع والمشاريع أعلى قيمة من الإنسان؟
* دعاوى قضائية :
تقدم أهالي المنطقة بشكاوي لكل المسئولين وأقاموا دعاوى قضائية بسبب تضررهم من الأمراض بسبب المشروع لمخالفتة لقوانين ومعايير البيئة، وطالب الأهالي في دعواهم بوقف وإلغاء المشروع لكن الواقع جعل آمالهم تخيب حين لم يجدوا تجاوباً من السلطات التي أكدوا لها أن أمراض الحساسية التي تصيب أطفالهم ناتجة عن تلوث الجو بالرائحة الكريهه للمشروع، وللحاجة فاطمة تقارير طبية تشير بإصابتها بأمراض صدرية مزمنة وربو (التهاب رئوي) حسب صورة الأشعة الواردة في هذا التحقيق.
* رأي الأطباء :
يقول دكتور محمد عبد النبي أحمد ، وهو طبيب متخصص في الأمراض الصدرية الذي زار المنطقة في وقت سابق :
إن المواطنين القاطنين حول المشروع معرضين للإصابة بأمراض عديدة في الجهاز التنفسي كالسعال وضيق في التنفس والربو وانتفاخ في الرئة، لما يحويه الغبار المتصاعد من مركبات مثل الكربون، الهيدروجين، الجزيئات العالقة، الفسفور ، كذلك تؤدي هذه المواد إلى الخمول في القدرة على التفكير وانعدام الرؤية وفقدان حاستي التذوق والشم وأمراض الجلد وتورمات خبيثة في أنسجة الرئتين وأمراض الحساسية والإصابة بالسرطان وتشوه الأجنة وأمراض الصداع المزمنة.
* دراسة حول المخاطر :
وحول المخاطر التي يتعرض لها سكان منطقة العشرة ، أوضحت دراسة قام بها مجموعة من الطلاب ارتفاع معدل الإصابة بأمراض الرئة للسكان الذين يقطنون في محيط 10 كيلو مترات من المشروع بينما أثبتت الدراسة أن هناك احتمالا في انتشار أمراض سرطان الجلد، وفقدان الشعر لدى الأطفال.
* الأضرار البيئة والصحية :
ويشرح دكتور عبدالله فرح ، خبير بيئي، أن الروائح المنبعثة من أحواض التخمير للمشروع تسبب أضراراً بالمياه المجاورة لها ، وتشكل طبقة تحدث ضرراً بالإنسان ، وتظهر المشاكل الصحية في انتشار الأمراض التنفسية والإسهالات والأمراض المَعِدِيَّة- المعوية، عند السكان، وخصوصاً عند الأطفال، مما يرتب كلفات صحية عالية للإستشفاء، وكذلك انخفاض في إنتاجية العمل والغياب عن التعليم بسبب المرض، ويؤدي هذا الواقع أيضاً إلى تأثيرات سلبية كبيرة على جودة المياه، وتلوث الموارد المائية، مما يرتب كلفات اقتصادية مهمة على مستوى المجتمعات المحلية وعلى المستوى الوطني ، ولا يسلم الهواء من التلوث، فسوء إدارة المشروع يؤدي، ، إلى تلوث الهواء بالروائح الكريهة، ويتهدد السكان بالتعرض للمياه الملوَّثة والحاملة للجراثيم المُمْرِضَة.
مياه الشرب أصبحت غير صالحة جراء انبعاث الروائح منها .. أطفالنا أصابهم الربو و نطالب الجهات المعنية بالعمل على تخليصنا من هذا الهم
أحياناً تضعك الظروف في موقف لا تحسد عليه وأحياناً أخرى تضعك في موقف تحسد عليه وفي أحايين كثيرة لا تضعك في أي موقف ... بل تجرفك معها كقطعة طافية فوق الزبد تتقاذفك الأنواء وتبحر بك إلى المجهول ... ولو أن الأمور تسير على وتيرة واحدة لا مكن التعامل معها بنمط سلوكي ثابت لكنها تتقلب مثل طقس هذا البلد ...
هكذا إفتتح عبد الغني خلف الله الربيع فصل رحلة في قاع المدينة من رواية القافلة التي تسير بنا من القاع الذي يعج بالأحداث إلى الأطراف، ففي الجنوب الشرقي من مباني جامعة أم درمان الإسلامية وعلى مرمى حجر منها تقع منطقة العشرة مربع (1) التي تعاني منذ فترة طويلة من كارثة صحية وبيئية فعبثاً يحاول سكانها إيصال أصواتهم للمسؤولين، وإقناعهم للإلتفات إلى (حيهم) المهمل دون فائدة، بعد أن أصبح البحث عن أولى أبجديات الخدمات المتعارف عليها همهم الأول ، سيما أنهم لا يسعون إلى رفاهية ، بل يطمعون في البسيط الذي يشعرهم بآدميتهم المفقودة بعد أن قامت الجامعة بالترخيص لعدد من باحثيها إقامة مشروع للسماد الطبيعي بمحاذاة مساكن الحي ، فأحالت عافيتهم مرضاً، وحرمتهم من نعمة الهواء النقي.
* لا ضرر ولا ضرار :
تؤكد المبادئ التي على أساسها تقوم أية مؤسسة تعليمية أو بحثية على الدور التنموي والنهضوي الذي تلعبه والفوائد التي تعود بالنفع على المجتمعات المحيطة بها من خلال المسئولية المجتمعية التي تقع على عاتقها ولعل أهم ما يميز هذه العلاقة التكاملية القاعدة الفقهية التي تقول : ( لا ضرر ولا ضرار) لكن يبدو أن كارثة سكان منطقة العشرة تم فيها النظر إلى (نصف الكوب)، حيث قام أحد أساتذة وباحثي جامعة أم درمان الإسلامية بإعداد مشروع بحثي لتخمير روث ومخلفات الدواجن لإستخلاص سماد عضوي طبيعي يستفاد منه للأغراض الزراعية بصورة بدائية تتمثل في جمع الروث والمخلفات من حظائر الدواجن التابعة لنفس الجامعة وتقع محاذية للمنطقة و وضعها في أحواض وصب المياه عليها بكميات كبيرة وتركها لتتعفن وتنثر روائحها الكريهة إلى حيث أوصلتها الرياح فضلاً عن تقديم دعوة مفتوحة لأطنان من أسراب البعوض والذباب كي ترتع وتمرح كيفما شاء لها... فهل كان من الممكن تفادي ماحدث أم انها سخرية الأقدار تطوف في هذه الناحية تارة وتارة ؟
* أدراج الرياح :
بضع خطوات هي تلك التي تفصل منزل المواطن مجاهد السر (اعمال حرة)، من مشروع الجامعة ، الذي أنشئ بالقرب من منزله، فالرجل بدأ لنا وكأن أعماراً أضيفت إلى عمره بعد أن أعياه التفكير في محاربة هذا المشروع وإزالته، خاصة أن الرائحة النتنة تمتلئ بها باحات منازلهم وصدورهم وتزكم أنوفهم ، يقول مجاهد لـ(الوطن)، أنا أعتبر من قدامى ساكني هذا الحي، فكيف للجامعة أن تقوم بالتصديق والموافقة على إقامة مشروع كهذا بجوار المنازل، ويضيف: اشتكينا مراراً وتكراراً وبحّت أصواتنا ولكن لا حياة لمن تنادي، فكل محاولاتنا ذهبت أدراج الرياح.
* ليست حكاية للنشر أو التسلية :
وضاح عبد الرحمن أحمد محمد - مواطن بالعشرة يقول : المسألة أكبر من مجرد حكاية نحكيها للنشر أو التسلية ثم ينتهي الموضوع نحن في خطر عظيم وحياتنا الصحية معرضة للخطر والتلف وما يشهده سكان المنطقة البسطاء كارثة حقيقية ومعاناة لا توصف، وإذا ما حاولت أن أقول لك شيئاً من الحقيقة أذكر هنا حجم القلق الذي ينتاب أهل الحي والخوف على صحة أبنائهم وسلامتهم..
.. أرسل وضاح آهة طويلة أردفها بزفرة حارة لفحت وجهي بلهيبها وهو يهمهم الحياة في المنطقة أصبحت جحيماً لا يطاق ونعاني من الروائح الكريهة وإنتشار البعوض والذباب بصورة مزعجة وهناك بعض الحالات الصحية الحرجة في المنطقة أصيبت بأمراض صدرية وقلبية (الربو) و(الجيوب الأنفية ) والحساسيات الجلدية لذلك نناشد السلطات بالمحلية التدخل السريع وحل هذه المشكلة.
* العض على الجرح :
المواطن محمد علي- اعمال حرة - يقول : نحن أمام تحدي لا يحتمل التأخير وكارثة حقيقية تحتاج إلى تدخل عاجل ولم نترك فرصة للشكوى من علل هذا المشروع على رئاتنا وبيئتنا إلا وطرقنا بابها والبعض دفعهم هذا الموضوع إلى هجر المنطقة إلى غيرها من المناطق ، اما نحن فما زلنا نعض على الجرح ونصبر ونشكو عسى أن تنفع الشكوى.
* المشروع واجهة غير حضارية :
الأستاذة أحلام محمد إدريس - معلمة تقول :
نعاني في منطقة العشرة منذ فترة بعيدة من هذا المشروع ، فقد أصبح يمثل لنا كارثة بيئية وصحية كبيرة وتضرر منه سكان المنطقة ويمثل المشروع واجهة غير حضارية ولا إنسانية للحي ، فمنذ الدخول إلى الحي تقابلك الروائح النتنة وأسراب البعوض، وسبق أن ناشدنا السلطات المحلية بهذا الأمر لكن لا حياة لمن تنادي فلجأنا إلى الاعلام كي نضع المسئولين في الصورة ونتوقع زيارة ميدانية لأحدهم كي يقف ميدانياً على حجم ما نعانيه بشكل مستمر.
أرجو أن يبلغ صوتنا آذان المسئولين..
يقول باشري حمد - صاحب متجر
: هذا المشروع حرمني من نعمة النوم أمام متجري في الهواء الطلق ورغم سعينا الحثيث وراء المسؤولين إلا أن الأمر يسير نحو الأسوأ، ولا أحداً يحس بالخطر المحدق بنا ، وأضاف: هناك اهمال تام للمنطقة، لا توجد تنمية متوازنة مقارنة ببقية المناطق المجاورة ولا ندري ما هي الأسباب، فهل أرواحنا أصبحت رخيصة لهذا الحد، وهل المصانع والمشاريع أعلى قيمة من الإنسان؟
