تقارير:الاحتجاجات بعد مرور 60 يوما .. الخسائر والمكاسب
قرابة الستين يوما مضت على الاحتجاجات التي أنطلقت في البلاد بداية من عطبرة بولاية نهر النيل في خواتيم شهر ديسمبر الماضي وانتقلت إلى مدن وولايات أخرى وتراوحت مستوياتها بين الكثيفة الإعداد في بعض المناطق وضئيلة النسب والحضور في الأخرى، وفيما انحسرت في الولايات بشكل كبير لاتزال الاحتجاجات في الخرطوم تستمر بوتيرة متقطعة فيما يشبه الكر والفر بين منظميها والسلطات المختصة، ونقف عند نتائج ومآلات الاحتجاج في جرد حساب المكاسب والخسائر للأطراف المختلفة والرسائل السياسية من وإلى وحسابات الخسائر الأمنية والموت الذي صاحب الاحتجاجات والخسائر في الممتلكات العامة والخاصة وقد احتشدت الساحة بكل هذا وذاك .
ابوة مجهولة
الاحتجاجات التي أطلق عليها البعض مسمى ثورة ديسمبر في بداياتها كانت عفوية مطلبية عبر عنها من خرجوا في مدينة عطبرة احتجاجا على انعدام وغلاء أسعار الخبز والوقود، بيد انها لاحقا تحولت إلى عمل شبه منظم وتتحرك المواكب والمجموعات المحتجة خصوصا في الخرطوم بنداءات وجداول وأماكن محددة سلفا من خلال بيانات منسوبة إلى مايسمى تجمع المهنيين والتي تفاعلت معها شرائح من الشباب دون معرفة هوية من يقود التجمع ورغم ان حزب الأُمة القومي بزعامة الإمام الصادق المهدي انضم لتجمع المهنيين إلا ان أُبوة الحراك ظلت مجهولة رغم اتهامات هنا وهناك لليسار والحزب الشيوعي بأنه يقف ورائها من خلال لافتة تجمع المهنيين.
رسائل ورسائل
ويقول الدكتور شمس الدين الحسن الأكاديمي والمحلل السياسي أن الاحتجاجات وجدت تجاوبا واعترافا من الحكومة على الأقل في شقها المتعلق بالمطالب وتوفير الخدمات وأضاف الحسن في حديثه للوطن أن الحكومة اعترفت بالأزمة الاقتصادية وتأثيرات انفصال الجنوب وخروج البترول من الموازنة العامة وانسحاب ذلك على مجمل الأوضاع الاقتصادية مماخلف ُشحا في العملات الأجنبية وانخفاض في سعر العملة الوطنية وارتفاع التضخم والتأثير على توفير المتطلبات الضرورية التي يتم استيرادها وعلى رأسها الدقيق والوقود والدواء وغيرها وأشار الحسن إلى أن الجهات التي تقف وراء الاحتجاجات رسالتها السياسية وصلت وتسلمتها الحكومة وتجاوبت معها ولكن المشكلة تكمن في أن التجمع الذي يتبنى الحراك لم يكتف بالرسالة السياسية وإنما عمد إلى رفع سقف المطالب برفع شعارات تنادي بإسقاط النظام الأمر الذي ترفضه الحكومة وأضاف د. الحسن أن تجاوب الحكومة سياسيا إضافة إلى الوعود بضرورة المعالجة للمشكلات الاقتصادية والاستقرار الملحوظ الأن في السلع الضرورية كلها نقاط إيجابية واعتبر الحسن أن انضمام حزب الأُمة وبعض الأحزاب لم يشكل إضافة سياسية بسبب التشكيك والاتهامات المتبادلة بين القوى السياسية.
مكاسب الشباب
وفي السياق يرى عبود جابر الأمين العام لأحزاب الوحدة الوطنية أن الاحتجاجات ورغم ماصاحبها من تخريب مرفوض على حد قوله إلا انها حققت مكاسب للشباب وقال ان المكاسب تمثلت في الاعتراف بمشكلاتهم ومناقشة قضاياهم وهمومهم على أعلى مستوى حيث خصص لهم مجلس الوزراء جلسة خاصة لمناقشة البطالة والتوظيف وتوفير فرص العمل عبر خطط مرحلية طويلة وقصيرة إضافة إلى اهتمام الرئيس البشير وتوجيهه بالاهتمام بالشباب وكذلك الشريك الأكبر حزب المؤتمر الوطني خصص جلسة انعقاد المكتب القيادي لذات القضية وأكد جابر أن الدولة ماضية في معالجة كل المشكلات التي تعترض مسيرة الشباب لافتا إلى أنهم يمثلون نصف الحاضر وكل المستقبل ووعد بتبني قضاياهم عبر مجلس احزاب الوحدة الوطنية وكل المنابر والمنصات.
خسائر
وقال الدكتور محجوب الطيب المحلل الاستراتيجي أن الاحتجاجات وبعد مضي قرابة الشهرين على اندلاعها في أنحاء متفرقة من البلاد وإن كان مقصدها أحداث تغيير إيجابي خصوصا في معاش الناس إلا ان العديد من الأخطاء ارتكبت وأحدثت خسائر متعددة في الممتلكات العامة والخاصة مثل حرق دور حزب المؤتمر الوطني حرق دور المحليات وحرق عدد من البنوك في عطبرة والقضارف وربك وحرق ونهب دور ديوان الزكاة في بعض الولايات ونهب مخازن وممتلكات خاصة وعامة كما في حالة مخازن الدقيق والسمسم والقمح والذرة وتدمير السيارات العامة والخاصة في عدد من المدن وعلى رأسها ولاية الخرطوم تعرضت السيارات الخاصة بالمواطنين للتلف عبر الرشق بالحجارة والحرق ونهب المحال التجارية والصيدليات وظهور مجموعات متفلتة (النيقرز) في أحياء شرق النيل والحاج يوسف ودخول مجموعات من حركة عبد الواحد محمد نور ضمن المتظاهرين وقيامهم بالتخريب والحرق وأضاف محجوب أن الأضرار كثيرة ترتبت على حركة الاحتجاج ومن بينها إغلاق الطرق الرئيسية والفرعية وفي الأحياء ومنع دخول المواطنين لمساكنهم وتعطيل حركة ومصالح الناس حيث أجبر التظاهر التجار على إغلاق محالهم في عدد من الأسواق وتضرر المواطنين في الأحياء وخصوصا المرضى وكبار السن من الغاز المسيل للدموع إثر تدخل السلطات لفض التظاهر والتفلت ومنع التخريب وأشار إلى أن بعض المتظاهرين تعرضوا بالضرب لمواطنين كبار في السن لمجرد أنهم لم يقفوا معهم وآخرين اتهموهم بالانتماء لجهاز الأمن وتعرضوا للضرب كما في حالة المواطن كبير السن في بري والآخر في مقابر الصحافة تعرض للضرب وقد جاء لحضور تشييع ووصفوه بأنه يتبع للأمن وجاء لتتبع معلومات وتعرض مواطن وابنه للضرب في ام درمان من قبل متظاهرين إضافة إلى التحرش بقوات الأمن والشرطة واستفزازها وإلقاء الحجارة عليها وأشار محجوب إلى أن هذه مجرد أمثلة للتخريب الذي صاحب الاحتجاجات طوال الفترة الماضية ودعا إلى الاحتكام إلى صوت العقل والتأمل في الخسائر التي تحدث لافتا إلى أن كل الذين شاركوا في التظاهر ليسوا كلهم سواء في التعبير السلمي وهنالك من يدخل في صف المظاهرات بغرض النهب والتخريب وإحداث الفوضى.
قتلى
يجدر ذكره أنه ضمن مسيرة الستين يوما الماضية حدثت العديد من جرائم القتل وسط المتظاهرين وصلت حسب إحصائيات رسمية للحكومة إلى 26 شخص في مختلف الولايات ولايعرف احد على وجه الدقة من المتسبب في قتلهم حيث اتهمت السلطات مندسين بقتلهم بغرض اتهام الحكومة وإشعال فتيل الاحتجاجات وتوسيع نطاقها بينما تنفي مجموعات من المتظاهرين التهمة وتصوب على اتهام الحكومة بالقتل، واياً كان القتلة وموقعهم تبقى الحقيقة أن هنالك قتلى جراء الأحداث الأخيرة ممايستوجب إعادة التفكير في التظاهر غير المنظم الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة حيث تصعب مهمة السلطات الشرطية في المراقبة والتأمين.