تعتبر قضية فض الإعتصام في الثالث من يونيو 2019م الحدث الأبرز في تاريخ السودان الحديث حيث شغلت الرأي بإستمرار ولم تغب عن ذاكرة الرأي العام السوداني في كل المناسبات التي أعقبت ذلك الحدث المشؤوم الذي راح ضحيته عدد لا يستهان به من الأرواح البريئة بين قتيل وجريح ولذلك ينتظر الجميع القصاص لحق الضحايا وهو مطلب يأتي في مقدمة مطالب الثوار حيث رغم أن الآمال معقودة على لجنة مستقلة لكن كانت الأنظار أمس تتجه للجنة التي شكلها النائب العام وسبق ذلك اللجنة العسكرية التي أعلنت نتائجها لكنها لم تثبت حقائق ترضي تطلعات الشارع السوداني ولكن نتائج تحقيق هذه اللجنة جاءت مخيبة للآمال بصورة كبيرة واعتبر البعض أنها إستفزاز للشارع السوداني أكثر من أن تكون لإنصاف وخاصة أنها تجاوزت حقائق مثبتة ولا تحتاج لدليل حيث في التقرير الذي جاه فيه : برأت لجنة التحقيق التي كونها النائب العام، المجلس العسكري الانتقالي وجهاز الأمن والمخابرات الوطني من تهمة المشاركة في فض اعتصام ميدان القيادة، وأكدت اللجنة أن القرار الصادر من المجلس تعلق بتنظيف منطقة كولومبيا فقط، بعد أن تحولت إلى مهدد أمني، وحملت اللجنة ضابطين أحدهما برتبة لواء (أس أ) والآخر برتبة عميد (ع ع م)، بتحريك قوة مكافحة الشغب التابعة لقوات الدعم السريع، ولم تكن لديهما تعليمات بالمشاركة في خطة نظافة منطقة كولومبيا، وذكرت أنهما قادا القوة من معسكر الصالحة وأدخلاها إلى منطقة الاعتصام لتعتدي على المعتصمين، وذكرت اللجنة أن المقدم (ح ب ع) شارك بقواته في الدخول لمنطقة الاعتصام، حيث تم ضرب المعتصمين بالعصي، كذلك أوضحت اللجنة أن القوات التي دخلت منطقة الاعتصام واعتدت على المعتصمين مشتركة، وتضم قوة مكافحة الشغب والحماية الخاصة بتأمين لكبري النيل الأزرق، وقد دخلت منطقة الاعتصام من أسفل الجسر، وضربت المتظاهرين وحرقت الخيام، وأتلفت الممتلكات، وتبين للجنة وجود شخصين ملثمين كانا يطلقان أعيرة نارية مع ثلاثة آخرين من أعلى هيكل مدينة البشير الطبية المواجهة لساحة الاعتصام، وأشارت لجنة التحقيق إلى أن عدد المتوفين في الفترة من 3 وحتى 6 يونيو بالخرطوم بلغ 87 فرداً، منهم 17 لقوا حتفهم داخل ساحة الاعتصام، وتبين للجنة أن جميع الوفيات اتخذت بشأنها إجراءات قانونية في عدد من أقسام الشرطة بالعاصمة، ولم يتبين للجنة وجود أي حالات اغتصاب ولا حرق لأفراد داخل ساحة الاعتصام، وتبين للجنة أن الجثتين اللتين وجدتا طافيتين من النيل في منطقة الحلفايا وعليهما آثار رصاص، لا علاقة لهما بمنطقة الاعتصام، وأفادت لجنة التحقيق أن عدد الجرحى والمصابين بلغ 168 مصاباً، منهم 105 تعرضوا لإصابات وجروح قطعية، وأن عدد الجرحى في ساحة الاعتصام وصل 63 مصاباً، وأمنت لجنة التحقيق أنها استوثقت من أن القرار الصادر من اللجنة الأمنية تعلق بنظافة منطقة كولومبيا فقط، وأن المجلس العسكري لم يصدر أي قرار بفض الاعتصام، ولخصت اللجنة قراراتها بما يلي:اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة الآتية أسماؤهم:
لواء أ س أ ـ عميد ع ع م ـ عميد م ص م ـ عقيد ع م ل ـ مقدم ح ب ع ـ رائد ا ع ضابط آخر برتبة رائد ـ رقيب أول م م ع
ووجهت لهم النيابة اتهاماً تحت طائلة المادة 186 من القانون الجنائي (الجرائم ضد الإنسانية)، وتم ضمهم كمتهمين أساسيين في الدعوى، على أن تستمر الدعاوى المرفوعة في النيابات الأخرى، وذكرت اللجنة أن التحريات ستستمر لتشمل كل من تتوافر في مواجهتهم بينات تؤدي إلى اتهامهم، كذلك خاطبت النيابة المجلس العسكري وطلبت منه مدها بالمحضر الخاص بالتحقيق، الذي أمر بإجرائه حول واقعة فض الاعتصام، ورفضت اللجنة تلقي أي أسئلة من من الصحافيين بدعوى أنها قد تؤثر على سير التحقيقات.
ردود فعل رافضة لهذا التقرير
المؤتمر السوداني يستنكر النتائج
وبناء على هذا التقرير جاءت ردود الفعل متطابقة لرفضه خاصة أن رئيس اللجنة مولانا فتح الرحمن سعيد لم يتح فرصة أسئلة للصحفيين الذي حضروا هذا المؤتمر الأمر الذي عمق الشكوك في هذا التقرير حيث اصدر حزب المؤتمر السوداني بياناً ندد فيه بنتائج تحقيق لجنة فض الاعتصام التي كونها النائب العام التالي نصه : بيان حول تقرير لجنة التحقيق التابعة للمجلس العسكري في مجزرة فض الاعتصام
أعلنت لجنة التحقيق التي عينها المجلس العسكري لإستقصاء الحقائق في أحداث مجزرة فض إعتصام القيادة العامة نتائج عملها نهار اليوم السبت ٢٧ يوليو ٢٠١٩م . كما هو متوقع لم تخيب لجنة التحقيق الظنون بها، إذ بثت تقريراً تمت صياغته بهدف واحد لا غير وهو إخفاء الحقائق ودفنها تحت الركام. أعادت لجنة التحقيق تلاوة الرواية المختلقة حول منطقة كولومبيا وكونها المستهدف بتلك العملية البشعة، والحقيقة الساطعة تقول بأن قرار فض الإعتصام قد تزامن في كل ولايات السودان التي شهدت ١٣ اعتصاماً وبذا فإنه كان قراراً سياسياً اتخذه من يملك السلطة والرغبة والقدرة علي فض الاعتصام مع سبق الإصرار والترصد ولا يمكن أن تعزى جريمة بهذه الضخامة والبشاعة لمحض تفلتات من قوات أو ضباط خالفوا التعليمات.
أنكر التقرير أيضاً حدوث اغتصابات داخل محيط الإعتصام وهو ما يخالف تقارير معتمدة لمنظمات عديدة دونت هذه الجرائم ووثقت لاغتصاب عدد كبير من النساء والرجال وهي وقائع ثابتة وتشبه إلى درجة كبيرة الممارسات الراتبة التي ظلت تحدث في مناطق الحروب في السودان كأدوات للإذلال ولتنفيذ مشاريع الإبادة الجماعية.
إننا في حزب المؤتمر السوداني نرفض ما جاء في تقرير لجنة التحقيق هذه، ونؤكد على ضرورة أن تضطلع الحكومة الإنتقالية المدنية بمهمة إجراء تحقيق مستقل وشفاف تستعين فيه بإشراف إقليمي بهدف كشف الحقائق كاملة وتقديم المتورطين لمحاكمات عادلة. إن قضية العدالة هي إحدى القضايا المركزية لثورة ديسمبر المجيدة ويجب أن تكون على رأس قائمة مهام السلطة المدنية الإنتقالية التي تعبر عن قوى الثورة.
الحرية والتغيير نتائج التحقيق شكلاً ومضومناً
من جانب آخر أكد القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير مدني عباس مدني أن النتائج التي خرجت بها لجنة التحقيق التي شكلها النائب العام توضح اهمية وجود النص بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة الذي اضيف الي الاتفاق السياسي ، كما توضح انه من اهم مهام السلطة الانتقالية اصلاح الاجهزة العدلية ، فالتسليم في الدولة الحديثة باحتكارها لاستخدام القوة يرتبط بتوفيرها للقدرة على الانتصاف والتقاضي العادل لمواطنيها ، وبغياب العدالة تكن فتنة في الارض وفساد كبير .
ما خرجت به لجنة التحقيق لن يكون ذو قيمة للجنة التحقيق المستقلة ولن يحول دون تكوينها وقيامها بمهامها ، قضايا الشهداء والانتهاكات التي حدثت قضايا لا يجبها أي اتفاق سياسي ولن تسقط بالتقادم
في الأثناء شهدت مناطق متفرقة في العاصمة السودانية الخرطوم مظاهرات حاشدة ووضع المتاريس على الطرق رفضا لنتائج التحقيق فض الاعتصام يوم 3 يونيو 2019م الذي راح ضحيته العشرات بين قتيل وجريح وفد شكل النائب العام لجنة تحقيق برئاسة فتح الرحمن سعيد الذي تلى نتائجه اليوم خلال مؤتمر صحفي عقد بالعاصمة الخرطوم دون أن تتاح الصحفيين فرصة الأسئلة وأبرز ما جاء في التحقيق أنه برأ أعضاء المجلس العسكري من أنهم أمروا بفض الاعتصام وحمل المسؤلية لضابط برتبة لواء وضباط آخرين أشار إلى أسماءهم بالأحرف فقط في الأثناء اندلعت مظاهرات في حي بري ضاحية الخرطوم وحي الخرطوم 3 والحاج يوسف بمنطقة شرق النيل والثورة ضاحية أم درمان ووضع المتظاهرون المتاريس على الطرق في إعادة المشهد في الشوارع السودانية عقب حادثة فض الاعتصام منددين بنتائج التحقيق والتي وصفوها بالمهزلة وطالبوا إعلان الحرية والتغيير مدنية خالصة دون العساكر.
نقابة أطباء السودان الشرعية على الخط
نقابة اطباء السودان الشرعية لم تكن بعيدة عن المشهد حيث أصدرت بيانا أوضحت فيه موقفها من تقرير لجنة تحقيق النائب العام جاء فيه :
بيان بخصوص تقرير لجنة
التحقيق في مجزرة فض الاعتصام
طالع الرأي العام السوداني مؤتمراً صحفياً عرض فيه رئيس لجنة التحقيق التي كونها النائب العام ما أسماه بتقرير عن حقائق ما جرى في مجزرة فض الاعتصام أمام القيادة العامة وهي الجريمة البشعة التي وقف الشعب السوداني والعالم بأسره على مجريات ما حدث فيها ، جاء تقرير التحقيق للنائب العام هزيلاً ولا يتناسب مع حجم الجريمة التي ارتكبت وشهد على تفاصيلها الرأي العام ، وهنا نشير الي وقائع أساسية اغفلها وحاول انكارها تقرير النائب العام:
١- أشار التقرير المعيب الى أن عدد الشهداء والجرحى لم يتجاوز (٦٧ ) شهيداً في حين أن تقرير الطب العدلي في الايام الأولى للمجزرة أشار الى أكثر من (٩٠) شهيداً ، حوالي ٨٠ % منهم كان سبب وفاتهم الطلق الناري في حين فاقت إحصائيات نقابة الأطباء للشهداء في مجزرة فض الاعتصام أكثر من (١٢٣) شهيداً وذلك غير الجرحى والمفقودين الذين لا تزال أعدادهم في تزايد وكل ذلك من جملة ٢٦٨ شهيداً منذ بداية الثورة في ١٩ ديسمبر ٢٠١٨م.
٢-إنكار التقرير لحالات القتل بالطلق الناري والرمي في النيل بعد ربطهما بالحجارة وهذا يناقض تقارير الطب العدلي.
٣-إنكار التقرير لحدوث حالات حرق داخل الخيم وهو ما اثبتته تقارير الطب العدلي.
٤- أنكر التقرير وجود حالات اغتصاب ، بالرغم من الشهادات المتواترة وبالرغم من العدد الكبير من الحالات التي تولت النقابة والمجموعات المهنية والمدنية الاخرى تقديم العون النفسي والعلاجي لها بعد تلك الجريمة البربرية ، وهنا نشير بوضوح وبشكل مباشر الى أن لجنة النائب إما أنها لم تبذل الجهد الكافي للتقصي والوصول الى الحقائق فيما يخص هذه الجرائم أو إنها عمدت الى التستر واهمال هذه الجريمة للسماح بالافلات من العقوبة.
٥- إن عدد الشهود التي قالت اللجنة أنها تحرت معهم وهم حوالي (٥٩) كما أوردت لا يتناسب مع حجم الجريمة ولا مع الاعداد الكبيرة للمواطنين المتواجدين في ساحة الاعتصام والذين شهدوا على وقوع هذه الجريمة وهو الأمر الذي يقدح في مصداقية التقرير الذي نشرته اللجنة.
ان كل هذه المغالطات البينة تدفعنا للتشكيك بشكل مباشر في ما جاءت به اللجنة عن مخالفة بعض الضباط للاوامر وكما ان الاعداد الكبيرة للشهداء يتناقض منطقاً مع رواية التقرير عن وجود ملثمين هم الذين اطلقوا النار.
إن هذا التقرير لا يساوي الحبر الذي كتب به وهو دلالة على النية المبيتة للتستر على الحقائق واخفائها والسماح للمجرمين الحقيقيين بالافلات من العقاب.
إننا في نقابة أطباء السودان الشرعية سنبقى في انتظار عمل لجنة التحقيق المستقلة التي ستكونها الحكومة المدنية للكشف عن الحقائق والتي سنتعاون معها بتقديم كآفة الأدلة والبينات التي تحصلنا عليها من خلال عمل العيادات الميدانية والمستشفيات والمشارح والشهادات الثبوتية. ان دماء الشهداء والجرحى والمصابين ومصير المفقودين ليس رخيصاً وليس معروضاً للمساومة السياسية ولا يمكن لاي اتفاق سياسي ان يحجب وزر هذه الجريمة.
العدالة اولاً ... العدالة دائماً.
الحزب الإتحادي الديمقراطي : المطالبة بتحقيق دولي حق في محله
من جهة أخرى أصدر الحزب الإتحادي الديمقراطي ـ الشرعية الثورية بقيادة الشريف صديق الهندي بياناً ندد فيه بنتائج هذا التحقيق الذي وصفه بأنه مخيب للآمال وقال البيان لم يكن القائمون بأمر الحرية والتغيير هباءاً منثوراً عندما طالبوه بلجنة تحقيق دولية فقد صادف هذا الطلب محله .