
منذ الحادي عشر من أبريل الماضي لحظة كتابة نهاية حكم الإنقاذ تحت لواء المخلوع عمر البشير ظل مصير رموز ذاك الحكم مجهول والإشاعات تترى حولهم وبين الفينة والأخرى تخرج بعض التصريحات من المجلس العسكري الذي يمسك بزمام الأمور ليؤكد بأن رموز الحكم البائد أما معتقلين أوتحت الإقامة الجبرية ولكن المجلس العسكري لم يف بوعده الذي قطعه بأنه سيسمح لأجهزة الإعلام بزيارة رموز الحكم البائد في المعتقل إلا أنه تراخى من هذه الخطوة ومع مرور الأيام ظهرت بعض الحقائق تكذب بعض التصريحات التي أدلى بها المسئولين في المجلس العسكري مثل القبض على أشقاء الرئيس المخلوع عبدلله والعباس وإيداعهم السجن ليظهر فجأة العباس فر إلى تركيا ثم صرح قادة المجلس العسكري بأن مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول صلاح عبدالله (قوش) رهن الإقامة الجبرية لتأتي أحد الصحف السيارة وتقول أنه في جولة بين القاهرة وواشنطن ثم لتأتي اليوم التالي صحيفة أخرى تورد التفاصيل الكاملة لهروبه المهم الحقيقة المثبتة أنه أصبح خارج البلاد سواء هروب أو بعلم المجلس العسكري وهذا الأمر يقدح في مصداقية المجلس العسكري . قوى إعلان الحرية والتغيير التي تفاوض المجلس العسكري ليس لها مطالب غير نقل السلطة للمدنيين وشكل حكم الفترة الإنتقالية وكثير من المراقبين يقولون بأن أي مطلب من المجلس العسكري فيه ممارسة للسلطة يعتبر إعتراف بأنه أصبح الحاكم الفعلي للبلاد الأمر الذي يرفضه الثوار الذين سيطالبون بحكومة مدنية وكذلك يرفضه المجتمع الدولي لكن رغم ذلك مسئولية رموز النظام تقع على مسئوليته وحماية كل مقدرات البلاد ويعتبر التقصير فيها تقاعس عن أداء المهام حيث حتى لحظة كتابة هذا التقرير لم يعلق المجلس العسكري على الخبر الذي أورده صحيفة مصادر في صدر صفحاتها أمس الأول والذي يقول : مفاجأة.. جولة خارجية لصلاح قوش بين القاهرة وواشنطن.. وقالت بأن جولة قوش الخارجية ستمتد لفترة طويلة.. وأنه قد إلتقى مسؤولين نافذين في المخابرات المصرية وسياسيين مصريين معنيين بالشأن السوداني.. وعلمت الصحيفة أن لقاءات قوش بالنخب المصرية كشفت عن تحفظات محددة للقاهرة حيال بعض مواقف الحراك الذي فرضه واقع الإطاحة بالرئيس البشير وبدت مصر قلقة على مجريات الأحداث في السودان.. وقد سجل قوش زيارة اجتماعية للسيد محمد عثمان الميرغني بمصر الجديدة..
وإلتقى قوش في امريكا نافذين في البنتاغون ووكالة الاستخبارات الامريكية وتناولت اللقاءات هناك مجمل الاوضاع التي تجري الآن بالسودان وكيفية التعاطي معها مستقبلا.ً وتفيد متابعات (مصادر) أن قوش سيبقى خارج السودان لفترة قد تطول..ثم خرجت صحيفة الوطن بالخبرالتالي الذي يتحدث عن هروب (قوش) والذي يقول : علمت صحيفة الوطن من مصادرها الخاصة بأن مدير الأمن والمخابرات الوطني السوداني السابق الفريق أول صلاح عبدالله قوش قد هرب من السودان متسللاً إلى دولة مجاورة بالبر يمتطي سيارة ماركة ( لاندكروزر) وأبلغت المصادر ( الوطن) أن الأحاديث المتداولة بأجهزة الإعلام أن ( قوش ) يقوم بزيارة إلى جمهورية مصر العربية وأمريكا هي مجرد أكاذيب تروج لها بعض (المصادر ) وأفادت المعلومات التي تحصلت عليها الصحيفة أن صلاح قوش قد هرب بعد ان وصلته معلومات تفيد بأن المجلس العسكري بصدد إتخاذ إجراءات قانونية ضده وذلك بفتح بلاغات بعضها جنائي تحمله مسئولية إستشهاد عدد من الشباب أيام الثورة كما علمت ( الوطن) أن هنالك إجراءات قانونية عبر ( الإنتربول ) لتسليمه الحكومة السودانية .
ويقول القاضي السابق / عبدالإله زمرواي لن يستطع صلاح عبدالله (قوش) زيارة الولايات المتحدة كما رشحت الأنباء المتداولة الآن وسيتم القبض عليه اذا حاول الوصول إليها والثوار في الولايات المتحدة بالمرصاد لكل هارب من العدالة.
وإذا كان حقيقياً وجوده في القاهرة فستطلب الحكومة المدنية الحكومة المصرية بتسليمه للسودان أو تطلبه النيابة العامة بواسطة البوليس الدولي الإنتربول سيما أنه مُتهم بجرائم قتل وتعذيب وإغتصاب.
لتنشيط الذاكرة ننوه إلى أنه بعد إنتفاضة ابريل ١٩٨٥ كنت قريباً من لجنة إسترداد المخلوع جعفر النميري من جمهورية مصر العربية وتعلمون بأن اللجنة المُشكلّة برئاسة بعض القانونيين الفطاحلة قد فشلت في إعادة النميري لمحاكمته في السودان. ذلك لأن الرئيس السابق حسني مبارك قد تدخل شخصياً في الأمر ومصر لها سابقة أيضاً في رفض تسليم متهمين للعدالة كما حدث لشاه إيران الذي كان ضيفاً على أنور السادات ونتيجة لمرضه بالسرطان لم يشأ هذا الأخير بتسليمه لقادة الثورة الإيرانية معللاً بالدواعي الانسانية..
اما بخصوص صلاح عبدالله والمعروف بقوش فإنّ أمره مختلف عن الأمثلة السابقة نتيجة لولوغه المباشر في جرائم قتل للمتظاهرين وجرائم كان ضحاياها المئات من أفراد الشعب السوداني. وحيث ان جرائم القتل والتعذيب لا تسقط بالتقادم المسقط للدعاوى statute of limitation فإن أمر جلبه للعدالة يبقي أمراً وطنياً مُلحِّاً كما يبقى أيضاً هماً دولياً سيما وأن هنالك قائمة بأسماء مرتكبي الإبادة الجماعية أصدرت محكمة الجنايات الدولية ICC بشأنهم أوامر للقبض وعلى رأسهم عمر حسن البشير وعبدالرحيم محمد حسين وأحمد هارون. وعلى القانونيين السودانيين في الخارج والداخل السعي لدى محكمة الجنايات الدولية لإدراج إسم المتهم الهارب صلاح قوش في الجرائم التي تختص بها هذه المحكمة التي تم تشكيلها من قِبل مجلس الأمن الدولي...
في عهد قوش إبّان عمله رئيساً لجهاز الأمن في مرحلتين تم قتل المتظاهرين السلميين وتم تعذيب الآلاف فكيف يك،ن المتهم المباشد في ذلك حراً طليقاً يجوب مدن العالم.
إنّ الحكومة المدنية التي سيتم تشكيلها قريباً بعون الله وبصمود الثوار عليها تشكيل لجنة سريعاً لاعاةة المتهم قوش من أية دولة في العالم لمحاكمته وعلى النائب العام الجديد الإستعداد التام لتكوين لجان للتحقيق في جرائم القتل والتعذيب والثراء الحرام الذي تشكلت له نيابة ولكنها لم تعمل شيئاً ولم تجلب لصاً واحداً حتى سقوط النظام وتعرفون الأسباب...
إن قضية العدالة الإنتقالية هي من أعلى المطالب الثورية وقد وردت في وثيقة إعلان الحرية وفي سبيل إنفاذها علينا ان نُعيد هيكلة القضاء والنيابة العامة والشرطة وإعادة سلطات فتح البلاغات والتحري لقضاة الجنايات وقد كانت لهم السلطات الكاملة قبل مجيء انقلاب الجبهة الإسلامية في اخذ العلم بالجرائم والأمر للشرطة بالتحريات وإصدار أوامر القبض والتوقيف وشطب البلاغات في مراحل التحري لعدم كفاية الأدلة وكان القضاة في السودان يشرفون على تجديد أوامر التوقيف وزيارة حراسات الشرطة وإطلاق سراح المقبوض عليهم بالضمانات. ولستُ من القائلين برفض ان يشرف وكلاء النيابات على هذه الإجراءات ولكنني اشدد على إستقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وكما تعلمون كان البشير من يعين وزارة العدل وكان الوزير المُعين يقوم بتعيين وكلاء النيابات وقد فشلت النيابة في إرساء العدالة المنشودة لعدم إستقلالها التام وكذا الحال مع السلطة القضائية التي تحولت لسلطة يحركها النظام البائد وافسد رؤساء القضاء إفساداً كبيراً في الارض وتعطلت العدالة تماماً في السودان لأن القضاة الذين تم تعيينهم حسب الولاء الحزبي وعمل بعضهم في جهاز الامن ضعفوا أيضاً فنياً وأخلاقياً ودونكم موكب القضاة وبيان وكلاء النيابة عن الفساد الذي يكتنف جناحي العدالة في السودان.
أختم بالقول واشدد بأهمية إعادة هيكلة القضاء والنيابة العامة وجهاز الشرطة الذي نريده هو الآخر جهازاً مهنياً يتقاضى العاملون فيه مرتبات مجزية ويتدربون تدريباً عالياً ولو جلبنا الخبراء من الخارج كما عملت دول وتمنيت من قلبي أن يتم التجنيد لجهاز الشرطة من الشباب والشابات الخريجين ومن ميادين الثورة والإعتصامات في كل القطر...