الاثنين، 22 أبريل 2019

مقالات:• المحطة الوسطى:«طُرّه واللاّ كتابه» ..؟!


(كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم حَتَّى ذَاقُوا بَأسَنَا قُل هَل عِندَكُم مِّن عِلم فَتُخرِجُوهُ لَنَا ) [سورة انعام 148]
الدولة العميقة التي كانت تفصل الأطباء والمعلمين المضربين وللصالح العام وتلصق تهمة التصنّع لمريض غاب عن العمل . هذه الدولة يطلب بعض رموزها الآن نقلهم من السجن للمستشفيات الباذخة للإشراف الطبي عليهم من  ذات الأطباء الذين شردت بهم من بين أيدهم ومن خلفهم ! وسوف نشهد المزيد من الأسرّة بفراشها الوثير داخل أقفاص الإتهام للإسترخاء عليها أثناء محاكمتهم وهذا ما فعله أو فعلوه  للجنرال حسني مبارك ثم جاء (السيسي)  رفيق السلاح لينصر أخاه في الرضاعة ظالماً..أو مظلوماً..الحمد لله إن المجلس العسكري لم يحل جهاز الأمن فأبقى عليهم ،  وفيهم من زبانية النظام من فيهم  . حتى لا نشهدهم  أو نسمع بهم وهم يلحقون الأذى بأصحابهم في السجون والمعتقلات كما فعلوا مع غيرهم على مدى ثلاثة عقود وحين اندلعت هذه الثورة السلمية المباركة . فهذا الشعب صاحب مروءة. خرج من القمقم لإرساء دولة القانون والمؤسسات عِوضاً عن دولة (الهمباتة) وقُطّاع الطرق ! 
بسبب الغضب العارم  والحُنق على نظام أوغر صدور شعبه .. تعرض( حاج ماجد سوار) أثناء شروعه في مغادرة البلاد لهجمة ضارية من جموع المواطنين في المطار وعنف لفظي وسب .  قُمتم بهذه الثورة وقمنا لا لكي نأخد القانون بأيدينا ثم نتصرف على هذا الأساس ولكن لنبرهن بأننا  شعب متحضر لا ينتمي لشريعة الغاب . (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ  وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الانفال ( 70 ) ..شيءآخر عجيب يحدث  الآن تم ويتم حرق دور الوطني وأجهزة الأمن وما تحويه من مبان وأُصول ووثائق هي ملك للرعية والوطن  فمن فعل ويفعل وهذا  ؟ وهل معقول أن المجلس العسكري الذي استعرض قوته بنشر الجيش في الشوارع والجسور في أنحاء البلاد وزجَّ برأس النظام ورموزه في السجون هل هو  عاجز عن حماية هذه الدور ؟ مش معقول .. هل هو عاجز عن تخصيص دوريات على أسطح البنايات المتاخمة لمقر القيادة العامة للجيش لمراقبة القّناصين الذين يصطادون بعض الشباب المعتصمين كالطيور .. فمن يقوم بعمليات القنص؟  لماذا حاول الجيش إزالة المتاريس في محاولة لفض الاعتصام وفي خضم ذلك تزامنت عمليات القنص على مقربة منه لترويع المعتصمين وحملهم قسرًا على الرحيل ؟  تناقض غريب للمجلس العسكري وهو يتقلّب بين لغة (اللهيج السكري) التي يتغنى بها الفنان عبد الرحمن عبدالله.. ولغة (تروح ان شاء لله في ستين ) التي يتغني بها الراحل محمود عبد العزيز . 
 البارحة أوردت الصحف خبراً يُشير الى قبض الجهات الأمنية على عربة (دبل كابينة) وبداخلها مواطن بحوزته  خمسة مليارات جنيه أودعت في حساب صاحبها ثلاتة مليارات  ونصف المليار جنيه في حسابه في البنك معناها المبلغ يخصه . ثم أودعوا باقي المبلغ وهو مليار ونصف المليار في بنك الخرطوم وليس في حساب الرجل لتغذية الصرافات ولم يقولوا لنا بأي قانون ووجه حق يفعلون هذا ! ثم تناقلت الصحف والاسافير خبرًًا عن إبادة ثروة حيوانية لنافع علي نافع سواءٌ أن  كان ذلك صحيحاً أو إشاعة فمن يملك هذا الحق  ؟ هل اسقطنا نظام ( القلع باليد والضراع ) لنحل محله نحنُ ؟  غير معقول  يجب أن نحتكم للشرع وماتواضعنا عليه من قوانين وأعراف وأخلاق . 
أما على الصعيد السياسي فقف وتأمل٫. فبينما   يُوجه الفريق عمر زين العابدين رسالة ناعمة عبر أجهزة الإعلام  مفادها أن ما حدث ليس انقلاباً عسكرياً وإنما هو انحيازٌ لمطالب الشارع فإنه يعيد نفس المشهد الصادم في مؤتمره الصحفي تحت رئاسة ابن عوف الخاطفة فيتشاور الآن مع كل من علي الحاج وغازي صلاح الدين ( القمرين النيرين) في الحركة الاسلامية في ظروف غير مواتية ينادي فيها الشعب بتصفية (دولة الاخوان العميقة) . البرهان عاد مسرعاً وأقصى وكيل وزارة الإعلام الذي عَيَّنه وهو ( عبد الماجد هارون ) احد أزلام  النظام السابق في أعقاب احتجاجات على تعيينه لإدارة منظومة الإعلام الرسمي .ثم قال البرهان  في مايشبه الاعتذار :  أنه لم يكن ملماً بتاريخ الرجل السياسي . لاشك أن  الفريق عمر زين العابدين  يعرفه  (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ  وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة (146) ،  يختلف أهل الاسلام السياسي  ويتخاصمون ويتفرقون  ولكنهم  اذا تعددت الأسباب فالموت عندهم واحد .. لو لم يكن  رئيس اللجنة السياسية  هو من أشار على البرهان بتعيين عبد الماجد هارون وكيلاً لوزارة الإعلام  فلماذا لم ينصحه  وهو رئيس اللجنة السياسية بعدم تعيينه ؟ وكيف يُعِّين البرهان من لا يعرف تاريخهم السياسي كما يقول في مناصب حساسة؟  كان لازماً غياب الفريق عمر زين العابدين عن المشهد السياسي  بغياب ابن عوف ..فوجوده على رأس اللجنة السياسية يشكل هاجساً ومصدر قلق عميق . 
بالامس كنت في حالة تواصل مع ثلة من القيادات  السياسية من بينهم القيادي البارز بالحزب الشيوعي وقوى الحرية والتغيير الأستاذ صديق يوسف ، وكانوا لحظتها في حالة إجتماع  فقال لي :  انهم يعتقدون  أن من يحكم الآن هو (المؤتمر الوطني) بالزي العسكري.. وأن الاعتصام لن ينفض حتى يتم اقتلاع تسليم السلطة لحكومة مدنية ..وأبدى دهشته للتخريب والنهب الذي يجري لدور جهاز الأمن والمؤتمر الوطني محملاً المسؤلية لأزلام النظام بهدف تشويه وجه الثورة. 
الأستاذة أسماء محمود محمد طه تعتقد اني كنتُ منصفاً حين  طالبتُ المجلس العسكري أن يبرهن على مصداقيته برفع الحظر عن الحزب الجمهوري علي خلفية تعهده بعدم إقصاء أحد يُذكر أن دكتور علي الحاج الأمين العام لحزب (المؤتمر الشعبي) كان قد أقرَّ بفشل التجربة الإسلامية في الحكم . ولكنه طالب بالسماح للمؤتمر الوطني بممارسة نشاطه ..سبحان لله يعني أنا  وأخوي على ابن عمي..وأنا وابن عمي على الغريب ؟ الآن علي الحاج  يريد أن يستقوى بالمؤتمر الوطني في المرحلة الحالية  والقادمة لإعادة إنتاج النموذج الاسلامي الفاشل كي يجثم على صدور الشعب السوداني من جديد..علي الحاج يُذكرنا بقصص (أرسين لوبين) البوليسية التي انتشرت في السودان  وقرأها علي الحاج مع الآخرين  ..غياب الوطني والشعبي عن المشهد السياسي مهم جداً ..فقد مارسا اقصاءً ممنهجاً ومهيناً بحق شعب بأكمله .  بعيدًا عن التضليل فالحوار  الوطني هو حوار  نُخبة يمثل الشعب السوداني ..أما الدكتورة مريم الصادق فقد وجهت لها  رسالة نصية مفادها أن تلكؤ قوى الإجماع الوطني بسبب الخلاف على المناصب يشكل جزءا من أزمة الحكم في السودان برمته.. وليس بسبب نجاج  ثورة فحسب ! 
أمر غريب آخر فمازالت المرافق الخدمية الحيوية يديرها شركاء ومحاسيب النظام الفاسد ..بالله عليكم مامعنى أن تتولى قيادات الجيش الاشراف على مستشفيات الدفاع الشعبي والخدمة الإلزامية وما إليهما. وهو يرفض أصلاً حل هذه الأجهزة .. وماهو الداعي لهذه الإنتقائية والتفريق بين طوائف الشعب والتمييز الطبقي ؟ ..عندما كان قطب المؤتمر الوطني عبد الرحمن الخصر والياً للخرطوم أعلن عن تخصيص كافتريات وبصات لترحيل طلاب الجامعات وأغفل تماماً  طلاب وتلاميذ الثانوي الابتدائي..طبعاً لأن الجامعات يسيطر عليها طلاب الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني. وماعداهم تقدم  لهم هذه الخدمات كرشوة حتى لا يتظاهرون .. أما طلاب الثانوي  والابتدائي فلابواكي عليهم . يتشعلقون في سلالم الحافلات  والبصات العامة ويفطرون طعمية ومأكولات  ويتسربون من المدارس لعدم إمتلاكهم ثمن الوجبة والرسوم الجزافية وبعد ذلك تسوقهم حكومات الولايات كالسوام وتحشرهم في نارجهنم ميادين الاحتفالات يوماً كاملاً لاستقبال الرئيس وزمرته الفاسدة بدون طعام وماء بدون رحمة ! 
انظر بالله ..منذ بداية الحراك  أو بعده بقليل وأكبر مرفق خدمي تديره ست شركات خمسة خاصة من ذات الشوكة تدير مرفق الكهرباء . و   الآن تقطع التيار الكهربائي  بالساعات الطوال ليل نهار..هذه الشركات نقول بكل صراحة ليس من مصلحتها تغيير النظام ، لأنه هو الذي دمر من أجل نشأتها..المرفق الحكومي العريق الادارة المركزية.. فخرجمت كل حاجة وتزايد عدد ضحاياها من الشهداء  والأنعام جراء الصعق الكهربائي بسبب اسلاكها العارية في الشوارع.. لماذا لايتجه المجلس العسكري لتصفية هذه الشركات ومصادرة أموالها لصالح البلاد..لايمكن للمجلس العسكري الإبقاء  علي الشركات التي نشأت كلها لصالح المؤتمر  الوطني  واركان دولته على انقاض مؤسسات وشركات القطاع العام . كل الشركات التابعة لجهاز الأمن والأجهزة الأمنية والحركة الاسلامية كتنظيم والمؤتمر وشركات القطاع العام  الرابحة التي بيعت لاركان النظام ومواليهم من الشيوخ  تحت ستار المؤسسات الخاسرة يجب استردادها لصالح الشعب وخزينته العامة..وفتح السوق الذي أصبح حكرًا على الذين أدخلونا المساجد وشيدوا لنا فيها أدبخانات  .نشرب كوز موية بجنيه..وندخلها بخمس جنيهات..ودخلوا هم السوق وشكلوا فيه حكومة ظل تدير البلد من وراء الكواليس..وتتستر وراء الا علام الرسمي نافخ الكير .