السبت، 30 مارس 2019

مقالات:عندما يصبح التخطيط الاستراتيجي معتقل مهني.!!


 
 خرجت اليابان من تحت نقاض حطام قنبلة هيروشيما، وستطاعت خلال ثلاثةعقود ونيِّف بناء دولة حديثة مكتملة الأركان، وتم ذلك كله بفضل المفعول السحري للتخطيط الإستراتيجي في عملية البناء والتعمير.. وبذات الجسر  عبرت قبلها كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والمجموعة الأروبية التي استعمرت كل بقاع الأرض بما فيها أمريكا..
وأخيرًا انضمت مجموعة نمور التأميل في قارة سيا إلى نادي العمالقة بفضل التطبيق السليم لمنهج الفلسفة الإستراتيجية في بناء الدولة الحديثة.. وفي فريقيا السمراء كانت أثيوبياً وحالياً رواندا، ومن قبل سبقتهم دولة جنوب فريقيا على خلفية دعاماتٍ خلّفها حكم بروتوريا العنصري بعد مغادرته البلاد التي نالت استقلالها المستحق بفضل مجاهدات المناضل نلسون مانديلا الذي سجل اسمه بأحرف من نور في سجل التاريخ الإنساني على خلفية ثبات مذهل على المباديء والقيم الوطنية..
ومن باب المحاكاة انخرطت كافة حكومات دول العالم الثالث في نوبة بكاء هستيري تستجدي التنمية والبناء، على نسق حكومات دول العالم المتحضر ، وبسبب ضعف الإدارة وغياب القيادة النموذجية فشلت غالبية دول العالم الثالث بما فيها السودان في تحويل الشعارات الى واقع ملموس..
    وعلى خلفية حزمة من النتائج المذهلة، والدلة القاطعة، على أرض الواقع استطاعت علوم التخطيط الإستراتيجي أن تسوق نفسها خلال القرن الماضي بشكل رائع ولافت، في مجالات التنمية والبناء، كما أثبتت التجارب العملية بالدليل القاطع، أن تخطي فجوة التخلف، وعدم القدرة على ستخدامات الموارد المتاحة يستدعي استخدام لغة التخطيط الاستراتيجي عند مخاطبة القضايا الملحة بغية الخروج من عنق الزجاجة..
ولأن التشبه بالرجال فلاحة، فقد اسرفت كل حكومات السودان المتعاقبة خلال الخمس عقود الماضية على  استدعاء التخطيط الإستراتيجي، طمعاً  في وضع حد لنزيف الزمن في مقابل إحداث التغيير المطلوب في مجالات النهضة الاقتصادية التي تفضي إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي من خلال  زيادة الإنتاج والإنتاجية بالقدر الذي يحقق زيادة الناتج القومي، ورفع معدلات الدخول الحقيقية للفراد..
ورغم التوسلات الراتبة من الحكومات الوطنية، فشلت كافة المساعي السودانية طوال ستة عقود حسوماً في تخطي حاجز الأمنيات بالنسبة لتفعيل دور التخطيط الإستراتيجي في عملية جدوى ستخدامات الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة..
     ولأن الحكومات بارعة في إخفاء عوراتها، عادة ما تلج إلى سياسة الإسراف في استهلاك الشعارات كوسيلة للإلتفاف على نقاط الضعف من باب المكابرة.. وبسبب هذه البديهية وجدت الحكومة السودانية نفسها مضطرة إلى استجداء النهضة من خلال إنشاء وحدة للتخطيط الإستراتيجي بدون رؤية واضحة بشأن المهام والواجبات المراد تنفيذها. ولذلك تحولت هذه الإدارة إلى ديكور مهني في كثير من الولايات (عدا الخرطوم) حيث أصبحت حراسات يتم فيها حبس الأفندية المغضوب عليهم، بدون أعباء محددة لكي يتم تأديبهم نظير مواقفهم غير المتسقة مع توجهات وسياسات الإدارة العليا بالوزارة والمؤسسة..، كما  هو الحال في كثير من وزارات المالية بالولايات..
واتساقا مع هذه السياسة التعسفية حيال هذه الإدارة الهامة تحول معظم الموظفين المنسوبين إلى التخطيط الإستراتيجي مجرد شخوص بلا دافعية يعتصرهم الإحساس بالغبن.. ولهذا السبب الإنتقامي عجزت هذه الوحدة عن القيام بدورها الوظيفي كما ينبغي..
عطفاً  على ما سبق يصبح وزير المالية مطالباً بإعادة استعدال الصورة من خلال تدخلات تنتصر لمبدأ توظيف التخطيط الاستراتيجي لصالح بناء الدولة، وليس لمصلحة مدراء المؤسسات في تحطيم الطاقات والقدرات الواعدة والمطلوبة لعملية بناء الدولة الحديثة.
                    مع تحيات جماجم النمل