دار فور كانت جنة الدنيا وريحانة الزمان كانت عروس الامصار وسيدة اللوعة القهور هنا كانت مدينة اسمها (سنقتة) طمرها الرماد ولفَّ وجودها اقبية العدم ذبحوها حتى العظم، اغتالتها رماح الحاقدين الذين لا وطن لهم ولايعرفون قيمة الاوطان، نزحوا من أرض موبوءة بالجبناء والحاقدين والمحرومين...احترقت سنقتة القرية الوادعة وتحولت الي رماد ينتظر ريحا عاصفة تهوى بها الى مكان سحيق عادت حمائمها فى المساء فلم تجد أعشاشها ولا أفراخها الزغب الصغار، همست قمرية لأختها فى حسرة..ما الذي جرى للقرية فى غيابنا..!! أنفخ اسرافيل صوره وأعلن قيام الساعة بعد استكبارنا من القرية..!! انتحبت أختها وأخذتها العبرة ثم قالت لها لست أدري .. كانت المدن تباع ليلاً هنا بلا عربون، عربونها من يصلها أولاً، فهى له وهو سيدها وملكها الذى سوف يستظل بشجرة خلدها الذى لا يبلى من يصلها أولاً له نساؤها الحرائر والإماء وبقية الغنائم، قالت القمرية أنا اعرف السمسار كاتب العقودات والارضحالات جاء من تخوم افريقيا الغربية يبحث عن وطن اوعدته به الخرطوم سيئة الذكر . اعرفه فهو صبى لم يحسن أباه تربيته صعلوك باع أسورة أمه وخاتم عرسها من أبيه باع كبريائها وعفافها فكيف لا يبيع وطناً رماح الحارسيه نيام كانت القرى فى دار فور تخرج فى مهرجانات الحصاد، قرى اختلطت أنفاسها بعبق التاريخ .. قري كان القمر فيها مواطناً سودانياً يتجول فى جنباتها كفرعون فى يوم زينته، قرى كانت تنام على خواتيم يس حتى يوقظها قرآن الفجر وهمس القنوت، وصياح الديكة قرى ولدت بلا طفولة وعاشت بلا شيخوخة قابيل قتل هابيل لكنه هذه المرة لم يوار سؤة أخيه وتركها فى العراء شغلته جمع الغنائم واكل الفاكهة الحرام سنقته كانت عرائشها من سيقان قصب السكر حظائرها من استبرق متكئة أرائكها على حدائق البرتقال والارنجة ييمم شطرها الصالحون والأتقياء، لتذكرهم بخلود عدن ونمارقها المصفوفة فيبيتون لربهم سجداً وقياماً يزورها الأشقياء والعصاة الذين لا جنة لهم يوم يقوم الناس لرب العالمين سنقتة فتاة العشرين تحلم بفارس شديد الأدمة اغلب الذراعين يعرف الطين والجروف ينتعل مركوبا فاشريا وعلى رأسه طاقية حمراء، سنقتة لم تسمع بالتمرد ولم تعرف أجندات السياسة الرخيصة كانت تعرف الفصول والمطر تزرع (البمبى) والجذر، لا تعرف الموت فى جماعة إلا فى هياكل الشجر الموت عندهم مريض عجز عن تطبيبه العشاب أو شقى انقضت أيامه فساقه القدر، لم تعرف البارود الا فى القنيص حين يخرج شبابها في الصباح الباكر . سنقته كان يعرفها محمد بشر كرم الدين، وقف على أطلالها وسكب على وجنتيها عبراته، لم ينفعها الاعمار وغابات الاسمنت، لأن جراحها مثخنة أعيت دراهم الحاج عطا المنان ان يداويها، ولان الجرح فى نخاعها ومن جرحت نخاعه لا تنفعه استدعاء العقاقير وغرف العناية المكثفة وتمردت هى الأخرى على الناس فقد غمر القنوط منها الجوارح والحواس كما يقول صاحب القلم الذرب محمود الشين لم تحى مواتها المؤتمرات ولقاء الأحبة، لم يوقظها زيارة كوفى عنان ولا عمر موسى ولا يحزنون اغتالتها يد المنون والذين تورطوا فى قتلها دخلوا نادي القتلة وتفرقوا في شعاب بنى هاشم بعد أن نفذوا اتفاقية دار الندوة رغم أنف جسارة على فى تلك الليلة وتفرقوا أيدي سباكان اغتيال سنقتة عنواناً لجراحات دارفور وإيذانا بتسامي ثقافة الكراهية التي زرعتها الانقاذ وسقتها بحقدها الحقود وورعاها البشير وأخرجت شطئها علي يديه واستغلظت بعبد الرحيم واستوت علي سوقها بأحمد هرون وكوشيب.
بحريقها انهارت القيم والمشتركات التي تجمع أبناء دارفور فقد تناثرت مسبحة العقد التي عصمتها السنون وحفظت مواثيقها الأيام والليالي .تأكل أركان البيت وتصدع البنيان ونخرت سوس الكراهية منساتها واستباح المغول الجدد المكان والجغرافيا والتاريخ ولطخوا تلك اللوحة الجميلة ببقع الدم التي تمددت وانتشرت في جسدها ووجهها الوضاء.
الآن وبعد أن نفذ الجناة الأوامر خرجت عجوز من ركامها المحطوم يممت شطرها مخافر الشرطة فوجدتهم يجلسون على برش قديم يستمعون الى نشرة أخبار الموتى من الاذاعة السودانية فدونت بلاغاً لدى شرطة نيالا وسجلت في مضابضطها بلاغا ضد مجهول وبعد اطلاع وكيل النيابة علي الحيثيات أمر بشطب البلاغ وقفل ملف التحقيق ولم تعرف هوية الجناة ولكن الخرطوم تعرفهم والخرطوم حمالة الحطب .